استيقظ الفلاح البسيط من نومه . بعد أن دغدغت أشعة الشمس وجهه الملئ بالتجاعيد ،فأسرع ملبيا نداء الواجب الذي أحيا به أرضه مئات بل ألاف السنين .ليحرث الأرض ويمهدها لإنبات البذور لتصبح خيرا لأهله وعشيرته. غاب هذا الفلاح عن أرضه سنوات عديدة ولم يكن هناك اى نبت في أرضه لم يكن غياب هذا الفلاح بمحض إرادته بل اختفاء قسري وتعددت أسباب هذا الاختفاء فالبعض يرى انه كان مختطفا وآخرين يزعمون انه كان في غيبوبة ،ولكن من المؤكد انه لم يكن حاضرا لمشاهد وأحداث جسام في المحروسة. لم يعاصر الأصيل أحداث انتفاضة يناير ولا هوجة يونيو ولا تدابير أهلها .فلما عاد من غيبوبته وجد كثير من الأعراس في المحروسة ، فدار الحوار بين من غاب عن المشهد برمته وآخرين يعيشون حالات الاستقطاب بل والاحتراب فيما بينهم . سأل الفلاح الأصيل عن سبب هذه الأعراس التي ملأت المحروسة حيث الرقص في الشارع من فتيات المحروسة خلافا لما حرص عليه أهل المحروسة من الحفاظ على الأدب والحشمة بين نسائها خاصة أن هذه التجاوزات تتم على الملأ ودون إنكار من احد.فانبرى احد الفريقين مستغربا لهذا السؤال حيث أن الحرية ومحرابها خط احمر فلهن اى النساء الراقصات أن يفعلن مايردن وقتما يردن وحيثما يردن.، وهذا ما تعجب منه الفريق الآخر وتسأل عن العرس الذي يقام لمغتصبة تم زواجها تحت تهديد السلاح وداخل قسم البوليس .أيقام مثل هذا العرس وتلك الأفراح لمغتصبها..فاندهش الفلاح قائلا أي مغتصبة هذه التي يقام لها مثل هذا العرس !.لابد أن المغتصب هو من أشاع هذه الفوضى بين أهلها وأوهمهم أن المصلحة تقتضى أن يتم هذا الزواج وإلا ستكون العروس كشقيقاتها فتتخطفها الايادى وتتنازع بكارتها ..وهنا صرخ الفلاح مستنفرا طاقات الحضور مستلهبا حماستهم ومستدعيا نخوتهم ظن انه قادر على إيقاظها ولكنه وجد غير الذي ظن. فبوادر الانشقاق واضحة واختلاف القناعات رغم بديهيات الأمور التي يتحدثون فيها هى المسيطر على الحوار والذي تحول إلى حلبة من الصراخ . هنا أيقن الفلاح إن الأعراس التي تحتفي بها المحروسة لم تكن إلا حالة من الهذيان والسكر البين الذي اذهب العقول واستباح كل شئ .وقرر أن يستدعى بعض من أهل الخير من مهندسين وأطباء وأساتذة الجامعة الذين اعتادوا أن يقدموا أوقاتهم لبناء جسور التواصل بينه وبينهم وتفعيل قيم ومثل المحروسة ونقلها للأجيال .ولكن للأسف لم يستطيع التواصل معهم ترى إلى أين ذهب هؤلاء ! . لابد من الحفاظ على العلاقات رغم اختلاف القناعات هذه الرسالة التي أراد أن ينقلها الفلاح البسيط إلى أهله وعشيرته ولكنهم وسط حالات الاحتراب والاستقطاب تفرغوا فقط للإقصاء والاخصاء وأصبح النبت في ارض المحروسة نبتا غير مثمر ولن يحمل غير الشوك .لم تكن المحروسة في مثل هذا الوضع إلا بتدابير من المماليك وأحفادهم .فيا أهل المحروسة انتفضوا لإزالة المماليك من طريقكم واعلموا إن العز لم يكن فقيها بل رمزا لشمس الحرية في كل الأوقات .لن تندمل الجراح وتنبت الأرض في ظل هؤلاء المماليك وتجار النخاسة .فالنجاسة بين الأعراس واضحة للعيان وليته عرس ولكنه غير ذلك . قرر الفلاح أن يعود إلى غيبوبته من جديد حتى يعود الأهل والأحباب من حالة الهذيان والسكر التي أصابتهم بفعل فاعل إلى رشدهم وعودته إلى مرحلة إنبات الزرع مرهونة بعودة الوفاق بين أهل المحروسة فالاخصاء وحده لن يقطع نسل المخالفين بل سيولد موجات من رعاة درب طياب ليكونوا الممولين الرئيسين لتورا بورا.ترى هل تزيد أشعة الشمس من تجاعيد وجه وسمرة الفلاح؟ أم ستوقظه ! لن ينهض الفلاح من غيبوبته إلا بنبذ الخلافات وتفعيل دور أهل العقد والحل واستخدام المماليك للحماية لا للوصاية... طيبة أنت يا بلادي ... شمسك ... و نبتك ...وولدك...