الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد فهذا أصعب مقال جلست لأكتبه فى حياتى ، وقد فكرت كثيراً أن أعتذر عن مقال هذا الأسبوع ، بل ( والله وتالله وبالله ) فكرت أن أتوقف عن الكتابة نهائياً . أشعر بعجز رهيب وأنا أرى بلادى على بعد خطوات من الإنفجار العظيم ، بداخلى مارد يرسف فى قيوده ويصرخ صراخاً يكاد يفتك بى ، أشعر بيأس مميت ، ماذا يفعل رجل عاقل رأى بوار قومه بعينيه خلف التل فاستدار بأقصى سرعة ليحذر قومه مصيراً مأساوياً ، فلما شعر أن الكارثة أسرع منه ، خلع ملابسه يلوح بها : يا قومى ، أفيقوا ، إنتبهوا ، أدركوا البلاد والعباد ، صدقونى ليس هناك وقت ، تصرفوا مرة واحدة بما يناسب الكارثة ، كونوا مرة واحدة على قدر المصيبة ، واجهوا ، لا تهربوا ، إقرأوا الأحداث ، تعلموا من أخطائكم ، لا تعالجوا الخطأ بالخطأ . ماذا يفعل هذا النذير العريان أكثر من هذا ؟ ماذا فى يده أكثر من هذا ؟ يأسى الذى يكاد يمزقنى ليس من رحمة الله ولا من لطفه – وحاشانى- ، إنما يأسى ممن بيدهم مفاتيح الحل ، يأسى من جدوى الكلام وقد تكلم من هو أفصح وأشهر وأقدر منى وعلى صفحات هذه الجريدة التى لا أقرأ سواها ، فقالوا ما قل ودل ، وشخصوا الداء ، ووضعوا الدواء ، وهم وغيرهم قد حذروا قومنا من هذه الكارثة التى كتبوا عنها قبل أن تقع ، ولم يكن ذلك رجماً منهم بالغيب بل كان ذلك نتيجة طبيعية لمقدمات كانت أوضح من الشمس فى رابعة النهار ، ومن شاء أن يقرأ فليقرأ مقالات آل سلطان فى الموضوع ، بل من شاء أن يقرأ تحليلاً عبقرياً قل أن تجد له نظير فليقرأ مقال رفيق حبيب أمس ووالله لو لم يصل إلى من بيده القرار إلا هذا المقال لكفى ، بل إن مسكيناً مثل كاتب هذه السطور كتبت هنا منذ شهور فقلت : يا ولاة الأمر والله أنا ناصح أمين والله لا أحمل لكم غلاً ولا أضمر لكم شراً ، ولو كان لى دعوة مستجابة لجعلتها لولاة الأمر أن يوفقوا لما فيه خير العباد وصلاح البلاد، إنكم يا ولاة الأمر تستجيرون من الرمضاء بالنار ، وتهربون من مشكلة ولكنكم تحولونها إلى باقعة لن تبقى ولا تذر . إن الإخلال بمعادلة توازن القوى بين المسلمين والنصارى - وهى المعادلة التى وفرت غطاءاً مثالياً عاش تحته المسلمون والنصارى أكثر من ألف عام- أقول إن الإخلال بهذه المعادلة سيدمر كل شىء ، صدقونى إن الوضع لا يحتمل تجربة معادلة أخرى لأن ثمن التجربة قد يكون مروعا ويستحيل بعدها أن نعترف بالخطأ ونقول دعونا نعود للمعادلة الأصلية . يا نصارى مصر عشنا معاً أكثر من ألف عام فى سلام ووئام ، حدثت مناوشات نعم حدثت مناوشات حدثت تجاوزات نعم حدثت تجاوزات ،وقع ظلم نعم وقع ظلم، لكن حدث بين المسلمين وبعضهم فوق ذلك ألوف المرات ، وحدث بينكم وبين بعضكم فوق ذلك ألوف المرات . يا نصارى مصر إن أى بيت فى الدنيا لا يمكن أن يستمر مستقراً وناجحاً إلا إذا كان هناك طرف أقوى من طرف ولو صار الطرفان قويين فهذا خراب للبيت . إن أساس الديمقراطية يقوم على أن الأغلبية لها حق الحكم والقيادة وعلى أن إختيار الأغلبية هو الذى ينبغى أن يمضى وأن على الأقلية أن تحترم هذا الرأى وأن تنصاع لحكمه أليس كذلك؟ ومن الطبيعى جداً والمفهوم أن الأغلبية ستتمتع إلى حد ما بميزات نسبية هذا يحدث فى السياسة والكرة والرقص والغناء وفى كل مجال من مجالات الحياة ومع ذلك فلو أرتفعت أصوات الحكماء وسكت الدهماء فالمسلمون على إستعداد لرفع أى مظلمة لأن هذا هو الإسلام . ليس عاراً عليكم أن تكون الكلمة للأغلبية فى هذا البلاد وهذه هى الديمقراطية..المسلمات فى فرنسا يجبرن على خلع الحجاب إحتراماً لعلمانية الأغلبية أليس كذلك؟ إن ما يفعله البعض منكم الآن هو لعب بالنيران .. وأقول إن أية خطوة ينبغى أن تخضع لحسابات بالغة الدقة والتعقيد لأن هذا الباب لو كسر فليس خلفه إلا الجحيم والدمار والخراب . انتهى ما كتبته منذ شهور ، فما رأيكم ؟ ها قد وقعت الواقعة ، ومع ذلك - وهو أكثر ما يقهر- فالذين بيدهم الحل يراوحون فى أماكنهم ويتعاملون مع الكارثة بطريقة تجعلك تبحث عن تفسير فلا تجد إلا تفسيراً واحداً أنهم مرتاحون لما يحدث. مصر لا تحتاج فى هذه اللحظة الحرجة إلى أدباء ولا إلى خطباء ، الوطن أحوج ما يكون إلى عقلاء عظماء زعماء قادرين على اتخاذ قرارات فورية مؤلمة لكنها مصيرية وحاسمة . يا أهل الخير ، يا أصحاب القلوب الرحيمة ، يا ولاة الأمر ، يا عقلاء النصارى ، إسمعونا فوالله ربما كان هذا هو النداء الأخير ، صدقونا ، لم يعد هناك إلا انفجار آخر ثم البوار ، صدقونى : رجل رشيد أو الكارثة ، صدقونى : من كان يحب هذا الوطن فعلاً ، وينتمى إليه فعلاً ، ويخشى عليه فعلاً ، فليقل خيراً أو ليصمت ، من كان يريد نزع فتيل الإنفجار فليكن على مستوى الحدث وليرتفع إلى أعلى درجات المسئولية وإنكار الذات ، إمتازوا اليوم لنعرف من أين نؤتى ؟ صدقونى الحل أن يتوقف الجميع عن الكذب والمجاملة والتزييف وأن تتم مصارحة كاملة بعيداً عن الشعارات الزائفة ، والموائد المضحكة ، يجب أن تقوم العلاقات بين المسلمين والنصارى فى هذه البلاد على أساس الحقيقة الكاملة والتامة حتى لا يكون هناك انفجار آخر وحتى نتجنب الكارثة . [email protected]