كتب الأستاذ عادل درويش أمس مقالا في "الشرق الأوسط" يعقب فيه على مقال للدكتور مأمون فندي في الجريدة نفسها قبل أيام انتقد فيه أسلوب الشريف أحمد بن عز في إدارة الانتخابات المصرية التي أعادت – حسب قوله – مصر 50 عاما إلى الوراء.. إلى زمن الاتحاد القومي والاتحاد الإشتراكي. درويش تمنى أن تعود مصر 60 عاما وليس 50. إذا حدث وعادت عقارب الساعة إلى عام 1950 أو 1951 سيوزع المصريون الشربات. في تلك الأيام الخوالي لم تكن في مصر بطالة، حتى أن مصطفى النحاس طلب من المصريين أن ينسحبوا من وظائفهم في القاعدة الإنجليزية بقناة السويس احتجاجا على حذف انجلترا "السودان" من لقب الملك فاروق ملك مصر والسودان. استجاب المصريون فوفر لهم النحاس فورا 80 ألف وظيفة في الدولة. كان الجنيه المصري يساوي جنيها وربعا استرلينيا. أقرضت مصر الدول الأوروبية 50 مليون جنيه ليتيسر لها استيراد الذهب الأبيض وهو القطن المصري بالاضافة إلى الكتان والأرز. كان بنك مصر مغطى بأربعين طنا من الذهب اختفت بعد الثورة. كل موظفي مصر أتيح لهم التعليم في فصول مسائية لمحو الأمية الغاها الصاغ كمال الدين حسين فور توليه وزارة التربية والتعليم عقب ثورة العسكر 1952. كانت الهجرة الأوروبية تنساب على مصر بحثا عن فرصة عمل ومعيشة راقية. تجد عامل الجراج تشيكيا وسائق الحانطور من مالطا، وجرسون القهوة من السويد والترزي من ايطاليا و"الحلاق" من فرنسا.. وهكذا... كل ذلك رائع. مصر التي كانت والتي أصبحت في خبر "كان" بفعل ثوار يوليو. لكن ما ليس مستساغا على الإطلاق أن يربط عادل درويش انتشار النقاب والحجاب والجلبات بالحالة الزفت التي صرنا إليها وما نعيشه من تبلد الأحوال والأخلاق و بالمرة أن يصبح أحمد عز كاتبا في "الأهرام" التي نسي أن يقول إنها كانت أيضا واحدة من أهم صحف العالم. مقال عادل درويش والتعليقات عليه يظهر أن كل ما أثاره من مواجع في نفوسنا على الماضي الجميل، استهدف به الحالة الإسلامية الاجتماعية، فهو يقول إن من يتاح له أن يشاهد فيلما انتج قبل ستين عاما سيرى الشوارع نظيفة، والأفندية والهوانم يسيرون في أمان ونظام، لا ترى النقاب والحجاب والجلباب وبالمرة بائعي الكباب! إننا إذاً أمام اسقاط مباشر على الحالة الدينية للمجتمع المسلم في مصر. كأن الحجاب والنقاب سبب تزوير الانتخابات والفساد والتراجع الاقتصادي والبطالة والقذارة والرشاوى من رجل المرور إلى أرفع المناصب! أي عاقل يقول ذلك يا سيد عادل درويش؟!.. كيف تحمل أسباب ما نعيشه من مشاكل سياسية وإقتصادية واجتماعية لتدين الشارع. أي عاقل يصدق ذلك الربط بأنه قبل 60 عاما كانت المرأة تسير بالمايوه والميني الجيب فلا يتحرش بها أحد، بينما الآن في ظل الحجاب والنقاب في شوارع مصر، يزداد التحرش بها ولا يمكنها أن تسير آمنة على نفسها؟! قارئ من الخليج بصم بالعشرة على كلام عادل درويش مؤكدا أنه زار القاهرة فاعتقد أنه يسير في "تورا بورا" نتيجة انتشار الحجاب والنقاب في الشارع!! عادل درويش يعيش خارج مصر.. في أوروبا.. يتطلع لأحوالها بنظارة غربية علمانية بالغة التطرف في علمانيتها. مصر لم تجرب في تاريخها حكما إسلاميا.. فلماذا تحمل من لا يحكم كل بلاويها الآن؟! [email protected]