أحسد، واحسدوا معي، سائقي الشاحنات، ليس على إضرابهم، وإنما على تضامنهم (من حيث الشكل)، بل ومعاقبة كل من يشذ عن هذا التضامن (وإن استنكرت أسلوب العقاب). ولا يفوتني- قبل الاستطراد- أن أحي سائقي سيارات الأجرة حين يضربون لتحقيق ما يعتقدون أنه حق لهم، أو إذا حدث اعتداء على أي منهم. وأحسد القضاة وأنديتهم على مواقفهم الصلبة تجاه أي ما يمس من بعيد أو قريب هيبتهم ووقارهم. وأحسد المحامين ونقابتهم على وقوفهم إلى جانب زميل لهم. وأحسد أصحاب الوقفات الاحتجاجية من عمال وموظفين للمطالبة بحقوقهم. أحي كل هؤلاء وغيرهم، أحييهم على مجرد التضامن، وإن لم تتحقق مطالبهم، فالاحتجاج لفت نظر وتحذير من التمادي في الغبن والظلم. الاحتجاج صرخة تؤرق من بيدهم الأمر في يقظتهم وفي منامهم. وأرثي لحال أساتذة الجامعة الذين أبتلوا بوزراء من0 جنسهم نالوا من قدر الجامعة ومن أقدارهم، واستهانوا بأنديتهم، وحلوا مجالس إداراتها، وزرعوا الفتنة في مجتمع الجامعة، وصنفوا الأساتذة تصنيفا شاذا، وأغروا الصغار بالكبار، وهدموا قيما وتقاليد، وشغلتهم بالقضيم عن مهامهم الأصلية. أرثي لحال أساتذة الجامعات وقد سلطوا عليهم في أيام نحسات أرباب السوابق ومسجلي خطر الذين اقتحموا حرم (سابقا) الجامعة، وأشهروا في وجوه الأساتذة الجنازير والأسلحة البيضاء (مثلما حدث مؤخرا في جامعة عين شمس). ولازلت أذكر اعتداء أحد ضباط الحرس في حرم (سابقا) جامعة عين شمس على أستاذ جامعي. وأرثي لحال الأساتذة معلمي الأجيال حين يدخل ضابط صغير إلى إحدى قاعات جامعة الزقازيق ويسب أستاذة ويعتدي عليها بالضرب ويهدر كرامتها أمام طلابها. وليس هناك أقسى مما قالته الأستاذة المعتدى عليها من أنها لم تعد تصلح كأستاذ بعد ما ألم بها. وأرثي لحال الأساتذة وقد أسرف بعض رؤساء الجامعات في إحالة الملتزمين والجادين إلى مجالس تأديب معدة قرارتها سلفا بالإدانة. وأرثي لحال الأساتذة وهم يستجدون تحسين أحوالهم المعيشية على نحو يضمن لهم حدا أدنى من الاستقرار يمكنهم من العطاء. وأكثر ما يؤلم النفس أن لا يغار وزير الجامعات على زملائه، وأن لا تصرخ أندية مطالبة بوقف هذا العدوان الفج الذي تعددت صوره على كينونة الجامعة. فلم نر في أي صحيفة بيانا صادرا من أي ناد من السبعة عشر ناديا يدين ما حدث. فيم الانتظار إذن... لقد وصلوا إلى أعقار الديار بعد أن صالوا وجالوا في أحرامها بالجنازير والأسلحة البيضاء. كيف نستر كرامتنا، لقد تحملنا نحن الأساتذة الضيم المادي وكنا نعزي أنفسنا بالتقدير المعنوي، والآن أصبحنا بلا ماديات ولا معنويات. ويا مسئولي الجودة والاعتماد... ما ظنكم! هل ستتحقق الجودة بنفوس مضطربة وأيد مرتعشة! ولكن قول الحق أن علينا جزءا غير يسير من المسئولية، نحن شركاء فيما يحدث من عدوان مادي ومعنوي على الجامعة. شاركنا حين تصامنا عن نداء بعض الأندية التي طالما دعت إلى حضور ما تعقده من مؤتمرات لمجرد أن نسمع صوتنا ونعبر عما نريده. شاركنا حين فرطنا في الترابط في وقت أحوج ما نكون فيه إلى الترابط والتماسك. استهترنا فاستهتر بنا، هانت علينا أنفسنا فهنا على الغير، فضلنا الانفرادية وراح كل منا في طريق يدبر معيشته على نحو انعكس بالسوء على أدائنا للأمانة التي عهد بها إلينا، ويتلف العلاقة بين عنصري الجامعة- الأستاذ والطالب- خاصة وأننا لم نقرأ في حادثة اعتداء ضابط الشرطة على الأستاذة في قاعة الدرس عن أي تصرف للطلاب سوى أنهم اكتفوا بالفرجة... وربما بالشماتة. الخشية كل الخشية أن يكون الغد أشد حلكة ليستوى فيه الأعمى والبصير.