الذين راعهم انهيارات الأحزاب السياسية فى مصر واحدا ً فى إثر واحد ، وهالهم أخيرا ً ما حدث فى حزب الوفد من صراعات دامية ، آلت إلى حبس رئيسه السابق وأستاذ القانون ، د. نعمان جمعة ونفر من قياداته ، بعد معركة عنيفة سقط فيها العديد من الجرحى ، واستخدم فى ثناياها الرصاص والأسلحة البيضاء ، وُأضرمت النيران فى المقر العام للحزب ، وتساءلوا عن السر فيما وصلت إليه أحوال الساسة والسياسة فى بلادنا من تدهور شامل وترد ٍ عام ، يمكن أن تقدم " قضية حزب الوسط " ردا ً نموذجيا ً على تساؤلاتهم ، يشرح – ببلاغة – سبل وأساليب التدمير المنظم الذى تفننت فيه السلطة الحاكمة وأبدعت ، لكل قوى المجتمع الحية ، التى ٌيبنى على وجودها وحيويتها ، وجود وحيوية الوطن ذاته ! . فكما فعلت فى الاتحادات الطلابية والنقابات العمالية والمهنية ، حيث سلمتها إلى نقابيين صفر ، جهدوا فى تخريبها وتفريغها من مضمونها ، وإلحاقها بأجهزة أمن النظام ، كمؤسسات تابعة ، تتلقى منها التعليمات والتوجيهات ، مهمتها الرئيسية السيطرة على أعضائها ومنعهم من ممارسة أى نشاط حقيقى خشية أن يتمردوا على هيمنة النظام ، وكما فعلت بمنظمات المجتمع المدنى حين كبلتها بالقيود والمعوقات حتى لا تقوم لها قائمة ، لجأت إلى نفس الشىء مع الأحزاب السياسية ، فالحزب الذى يقدم فروض الولاء والطاعة ، من نوع حزب أحمد الصباحى وغيره من الأحزاب الكرتونية التى لا يعرف عنها أحد شيئا ً ، ُيترك وشأنه ، وإلا ّ فخطط التدمير الذاتى جاهزة للعمل : حدث هذا فى حزب الأحرار ، وفى حزب الغد ، وفى حزب الوفد ، وقبلها فى حزب العمل ، وباقى المتبقى من ( أحزاب ) مؤهل لذات المصير ! والهدف ، أولا ً وأخيرا ً ، هو تفريغ الساحة للحزب الوطنى وعصابات النظام ، التى تمارس عمليات النهب المنظم للثروة الوطنية ، وتبيع كل ما يمكن بيعه من ملكية عامة إلى نفسها وإلى المقربين بأبخس الأسعار ، وتترك الوطن والشعب وسط العواصف العاتية بلا نصير أو ظهير ! . ولكن تكتمل الدائرة ، وتنغلق الأبواب والشبابيك بإحكام ، وحتى لا ينفذ أى شعاع للضوء ينير حلكة الظلام التى تحيط بنا من كل جانب ، وضع النظام ألف قيد وقيد أمام كل من يحاول أن يجد له موقعا ً ، أو يتجرأ على التفكير فى إنشاء حزب جديد ، يمارس من خلاله دوره وواجبه الوطنى ، ويدافع عبره عما يؤمن به من مبادئ وافكار . ومثلما حدث مع حزبى " الوسط " و" الكرامة " ، تحت التأسيس ، طلبت منهما الهيئة المسماة " لجنة شئون الأحزاب " ، " لبن العصفور " ، على حد التعبير الشعبى الدارج ، وهو تعبير بليغ يشير إلى التطرف فى الاشتراطات ، والمطالب التعجيزية التى لا يمكن تحقيقها ، على امتداد أحد عشر عاما ً ، [ انهارت خلالها نظم ، ودالت دول ، وبرزت وجوه ، ورحل ملوك ورؤساء . . . ألخ ] ، إلا ّ مصر حيث لم يتقدم الوضع قيد أنملة ، بل استمر فى التدهور : نفس الوجوه الكالحة التى تحكمنا بالقهر ، وتسيطر على مصائرنا بالجهل ، وتفرض هيمنتها على وجودنا بالقمع ، ومرة بعد مرة ، وعاما ً فى إثر عام ، أنهكت لجنة الأحزاب مؤسسى الحزبين بمطالبها الغريبة ، المستحيلة ، ومع هذا لم ييأس المؤسسان ، وتحملا ما لا ُيحتمل من العنت والإرهاق ، فى سبيل تحقيق أملهما : أن يكون لهما حزب ( شرعى ) ، يمكن من خلال آلياته التواصل مع الناس ، ومحاولة المساعدة فى الخروج من الأزمة المستعصية التى تأخذ بخناق الوطن . وأخيرا ً كانت المفاجأة التى أعدها النظام المتآمر لقيادات حزب الوسط [ تحت التأسيس ] ، حيث مارست ضغوطها الهمجية على نفر من الأخوة الأقباط كانوا ضمن مؤسسى الحزب ، إلى أن أجبروهم على سحب توكيلاتهم ، وهو ما سمح بإيقاف الحكم فى قضية الحزب والإدعاء بأنه حزب طائفى معاد ٍ للوحدة الوطنية !! . هل رأيتم أيها السادة ما هو أسخف وأسوأ من هذه الحجة الرديئة وهذا السلوك غير المسئول ، الذى يلجأ إلى أسوأ الأساليب وأشدها غباءا ً وتفاهة ، لقطع الطريق على مجموعة متميزة من أبناء الوطن ، لم يحملوا سلاحا ً لتخريب المجتمع ، ولا هددوا الأمن العام برفع شعارات التكفير للمخالفين فى الرأى ، ولا تمسحوا فى الدين الحنيف لغايات انتهازية ، وإنما أرادوا أن يمدوا اليد للوطن فى محنته ، وأن يقولوا كلمة حق فى زمن أغبر ، فتكالبت عليهم قوى الظلام لوأد حلمهم المشروع ، ولإجهاض أى أمل لديهم ، ولدى أمثالهم من خيرة أبناء مصر ، فى التغيير السلمى ، والتقدم للأمام ! . إلى أين يقودنا هذا الوضع المزرى بعد أن تيقنا من رفض العصابات التى سرقت الوطن ، فى غفلة من الزمن ، فتح أى نافذة للضوء ؟! . سؤال بالغ الأهمية ينبغى الإجابة عليه ، فكل الطرق تؤدى إلى " روما " ، و" روما " التى يسوقونا إليها ليست سوى انفجار عشوائى هائل ، عاصفة عاتية ، نار تأكل الأخضر واليابس ، يتحمل مسئوليتها ، أولا ً وأخيرا ً ، هذا النظام المتسلط ، الذى يعادى الحرية ، ويكره ضوء النهار ! . [email protected]