ليس لدي من الأدلة المادّية ما أستطيع أن أقطع به نية النظام الحالي تزوير استفتاء دستور 2013 المثير للجدل، نظراً لاختلاط الأهواء بالآراء والظنون بالحقائق في تداول الأخبار في معسكر كلٍ من فريقي مؤيدي الانقلاب ورافضيه. غير أن أدلّة عقلية كثيرة، إذا ما تم استحضارها في الأذهان، ستصل بك إلى اعتقاد جازم بأن النظام الحالي لا يُمكن أن يغامر برفض الدستور، عبر تغليب ال (لا) على ال (نعم) في نتيجة الاستفتاء.. من هذه الأدلة العقلية: 1- أن الاستفتاء في واقع الأمر ليس استفتاء على الدستور بموادّه ونصوصه، وإنما هو استفتاء على خارطة الطريق نفسها.. لذلك فإن الفشل في تمريره سيكون بمثابة إعلان الفشل لخارطة الطريق برُمّتها ، وربّما إعلان فشل الانقلاب نفسه. 2- النظام الحالي في أمسّ الحاجة لوثيقة أو مستند مادّي يمكن استخدامه كأداة في السياسة الخارجية، إذ إنه يُنظر إليه في الأعراف الدولية المُنصفة على أنّه مغتصب للسلطة، لأن الديمقراطية في الدول المتحضّرة تُقاس بحشد الصناديق؛ لا بالتقديرات الجزافية لأعداد المحتشدين في الشوارع والتي لا تستند لأي أساس منضبط يمكن البناء عليه. 3- الاستفتاء على الدستور الجديد هو أول استحقاق ديمقراطي بعد الانقلاب، لذا فإن موافقة الشعب عليه - ولو بالتزوير - سيُعطي للنظام الجديد نوعاً من الشرعية داخليّاً وخارجيّاً، وسيفتح المجال للدول التي تقدّمُ رجلاً وتؤخّر أخرى في الاعتراف به، والتعامل الرسمي معه. 4- فشل تمرير الدستور الجديد سيكشف العديد من الأكاذيب والتهويلات التي روّجها النظام الحالي عبر آلته الإعلامية غير المنصفة، بدءاً من أعداد المتظاهرين الذين خرجوا في 30 يونيه وانتهاء بما تم إلصاقه من تهم الإرهاب وحمل السلاح لرافضي الانقلاب السلميين، وبالتالي، سيوقن الجميع بأن ما تم في 3 يوليو كان انقلابا، وسيُفتَح الباب على مِصراعيْه لمحاسبة كل من تسبّب في إراقة دماء المتظاهرين. 5- استقرّ في أذهان المصريين خلال قرنٍ كامل من الزمان أن الذي يكتب الدستور دائماً هو المنتصر سياسياً أو من يعبّر عنه، لذلك فإن تمرير دستور 2013 (بغض النظر عن تأليههِ للعسكر وجعله دولة فوق الدولة) سيطوي صفحة النظام الشرعي الذي قبله.
الأدلة العقلية السابقة لا يمكن أن تُبقِ ذرّة شكّ لأي متابع للحالة السياسية لمصر، أن يظنّ أن النظام الانقلابي الحالي يُمكن أن يغامر بمستقبله وحاضره وماضيه، بإفشال تمرير الدستور، ولو كان على غير إرادة الشعب.