مع ازدياد حملات الاعتقالات التي يتعرض لها المواطنون السوريون داخل بلده وبخاصة الناشطين الحقوقيين، طالبت منظمات حقوقية الرئيس السوري وقف هذه الموجة المتزايدة من الإعتقالات العشوائية. ولئن كان نصيب الحقوقيين من الإعلام وحملات المساندة من المنظمات الحقوقية الدولية كبيراً، فإن الجزء الأكبر من الإعتقلات والتي يتعرض لها الشباب السوري غالباً ما تتخطاه الأحداث ووكالات الأنباء. خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة تعرض المئات من الشباب السوري للإعتقال التعسفي كان الهدف منه إخضاع العقل السوري لثنائية إما الإستبداد أو الفوضى.إن الخيار بين الاحتلال والاستبداد هو بمثابة المفاضلة بين الطاعون والسرطان، فكلاهما يهتك خلايا الجسد ويتركه نهبا للوهن والضّعة. وإذا كان علاج طاعون الاحتلال في المقاومة الوطنية علاجا ناجعا ومُجَرّبا من كل أمم الأرض على مر الدهور والأزمنة، فإن سرطان الاستبداد أشدّ فتكاً وأمنع من الاستجابة للدواء. ومن هنا فإن الانتظار في كلا الحالتين مهلكة وأيّ مهلكة. فهذه المعضلة توفر للأنظمة العربية بيئة مثالية للابتزاز، وفرصة ذهبية لانتهازية المثقفين المدجنيين للدعوة إلى صمود الاستبداد، وفسحة إضافية للاوليغارشية في مد نفوذها الاحتكاري على النزر اليسير المتبقي من الكرامة الاقتصادية للمواطن العربي. وهذا الحلف غير المقدس للمستبد السياسي والثقافي والاقتصادي يبدو اليوم في أعلى جاهزيته القتالية لخوض معركة بقاء مع مجتمعه وأمته التي باتت على استعداد سيكولوجي على الأقل للفظه واستبداله بمنظومة وطنية تسعى للحفاظ على المصالح العليا للمجتمع، فقد بات واضحاَ أن استمرار هذا الحلف في تَصَدّر الحياة العامة في العالم العربي هو أكبر خطر يتهدد المصالح الاستراتيجية العليا للمجتمع العربي بالمعنى الحضاري الجامع للأطراف كافة لا بالمعنى القومي الضيق المُفَرّق. ولعله يمكن لنا أن نفهم الآن مصدر تلك الدعوات المجانية للتدخل الأجنبي في شؤوننا الداخلية سواء بطريقة مباشرة أوغير مباشرة حيث يقوم هذا الحلف على توزيع تلك الدعوات فوق الطاولة وتحتها، وديدنُه الأساسي هو البقاء بأي ثمن ومهما كان الثمن. وقد أثبتت التجربة الحية أن لا فائدة من الحوار الهادئ والهادف مع صناع القرار في هذا الحلف، لأنهم يعتمدون «البلطجة» في أمورهم كلّها وذلك لفرض ذاتهم المُستَبِدّة، ويؤمنون بالإقصاء مبدأً ومنهجاَ ولا يحنون رؤوسهم إلا «للبسطار» الأجنبي لأن هذا يتماشى مع سياستهم العامة في تقديس القوة. ولابأس عندهم بعد ذلك بأطنان المساحيق من شعارات برّاقة وأفكار وطنية خارجة عن محتواها وإطارها الموضوعي مع درجة عالية التركيز من النفاق الذي يبعث على الغثيان. لن يرحل الاستبداد من تلقاء نفسه. وعصا الاحتلال الغليظة غالبا ما تؤسس لاستبداد جديد مادامت القابلية موجودة. فكلا الخيارين وصفة لزيادة حجم المشكلة دون مساهمة حقيقية في حلّها. فمن ذا الذي يكسب شرف تعليق الجرس؟ [email protected]