يظن البعض أن فكرة إصلاح الأوضاع الراهنة تقتضى القبول مبدئياً بالفساد القائم ثم العمل على تغييره!! و هذا ليس بصحيح لأنه مما لا شك فيه أن فكرة الإصلاح تعنى تصويب الأوضاع القائمة حتى و لو تطلب ذلك التدرج أو المرحلية طبقاً للقدرة المتيسرة للقائمين على الإصلاح و هذا هو الأوفق والأقرب إلى الواقعية و ليس سكوتاً على باطل و رضاً بظلم0 قال تعالى على لسان نبى الله شعيب (إن أريد إلاّ الإصلاح ما استطعت و ما توفيقى إلا بالله عليه توكلت و إليه أنيب ) وما كان لنبى أن يقر قومه على الباطل فى مرحلة الإصلاح التى تأخذ وقتا من الزمان بل كان يظهر المخالفة لهم فيما يعتقدونه حتى يظهره الله عليهم .. وهكذا كان نبينا صلى الله عليه و سلم صابرا محتسبا فى مرحلة الاستضعاف يدعو إلى الله تعالى على بصيرة و يتحمل فى سبيل دعوته كثيراً من المشاق, ثم لما اشتدت قريش فى أذاها للنبى و أتباعه بادر بالسماح للمسلمين بالهجرة إلى الحبشة ثم الهجرة إلى المدينة حيث أسس دولة الإسلام الأولى ثم عاد إليهم فاتحاً فدخل الناس فى دين الله أفواجاً فكان فى ذلك الخير لأهل مكة جميعاً بعد صراع طويل كانت فيه مواقع و حروب و قتلى و شهداء و نصر و هزيمة .. و ما نهدف إليه من مقالنا هذا هو أن نوضح منهجنا الإصلاحى الذى ندعو إليه فى واقعنا الجديد بعد تجربة طويلة لم تفت فى العضد و لم تكسر لنا عزيمة بل جعلتنا نختار من الوسائل التى تناسب الحالة الراهنة من حيث قلة المفاسد و رجحان المصالح على طريق تحقيق الأهداف العليا يقول الإمام ابن تيمية [ و الواجبات و المستحبات لا بد وأن تكون فيها المصلحة راجحة عن المفسدة فمتى كانت مفسدة الأمر أعظم من مصلحته لم يكن مما أمر الله تعالى به ] والناظر إلى خطوات الإصلاح المطلوبة يجد أن البداية تكون فى إقامة الحجة على أصحاب السلطة و تبصيرهم بدورهم و حثهم على اتخاذ قرار الإصلاح الشامل الذى يملكونه ولقد تمت النصيحة بالفعل على الوجه الأكمل و على يد كثير من الدعاة إلى الله و أصحاب الأقلام الرشيدة من المثقفين و لكن ذلك كله لم يجد آذاناً صاغية بل ظن الحكام أن كل من يقدم لهم رأياً أو نصحاً هو فى خندق الأعداء و يسعى إلى منازعة الأمر أهله!! فلزم بعد ذلك أن تنتقل مهمة الإصلاح من السر إلى العلن و من النصيحة إلى الفضيحة على الملأ و فى حدود المشروعية. إن شعاب الإصلاح و روافد التغير متعددة و تحتاج إلى حشد الجهود فى اتجاه الآتى: 1 - توعية الجماهير بدورها فى التغيير و حثها على التعاون مع حركة الإصلاح و عدم مساندة الباطل أو السكوت عليه فذلك لا يصح من شعب يريد أن يتحرر من العبودية للبشر. 2 - لا بد من تعاون العاملين على الساحة فى تحقيق الوفاق على نقاط الإصلاح المطلوبة فى المرحلة دون الدخول فى الخلافات المنهجية لكل تجمع فكرى فلا مجال لذلك عند التحالف. 3 - أظن أنه لا تختلف قوى الإصلاح حول ورقة عمل تشتمل على إعلاء كلمة الله تعالى و رفع حالة الطوارئ و إطلاق الحريات و احترام حقوق الإنسان و تعديل الدستور بما يسمح بتكافؤ الفرص فى انتخابات الرئاسة و عدم تزييف إرادة الجماهير بإشراف قضائى كامل على جميع صناديق الاقتراع و نحو ذلك من الحقوق المشروعة. 4 - اتخاذ كافة الإجراءات المشروعة فى سبيل تحقيق الإصلاح مثل حق التظاهر و الاعتصام و الوقفات الاحتجاجية و المسيرات الشعبية بشرط الاستعداد الكامل لمثل هذا مع قياس مدى الاستجابة الجماهيرية قبل الشروع فى ذلك و بعد تنبيه أهل الحكم لعلهم يرجعون قبل هذا الموقف الذى سيؤثر سلباً على بعض مصالح المواطنين و هو ما يلزم فى نهاية المطاف أن نتحمله من أجل المصلحة العليا فى التغيير و الإصلاح .