توفى مانديلا هذا الرجل الذي أرسى فى عصرنا الحديث مبدأ قوة السلمية والجهاد السلمي فى مواجهة قوى الاحتلال و العنف واثبت بتضحيته انه مهما طال الوقت فالنصر للحق و الحرية مهما طال المنادون بها من تجاوزات و بطش واعتقال أو قتل فالحق كما علمنا ربنا هو الباقي مهما تصور البعض غير ذلك فدولة الظلم ساعة ودولة العدل إلى قيام الساعة هذا ما علمنا إياه هذا الرجل المدرسة الذي تعبر مصر عن حزنها فى وفاته بتنكيس الإعلام لمدة ثلاثة أيام وهو لا شك سلوك محترم ومحل تقدير لان الرجل يستحق ذلك ولكن يراودني خبث افكارى لا تسائل الم يكن أجدى بمصر وحكومتها ومسئوليها الاحتفال بأفكار الرجل مع تنكيس الأعلام حزنا لوفاته فهذا الرجل وضع اللبنة القوية فى مبدأ التسامح لبناء الاستقرار الذي ينشئ الدول العظيمة فلم يقابل من سجنوه وعذبوه بالانتقام و السجن مثلما يفعل البعض ولكن هذا الرجل سر عظمته تأتى من سمو أفكاره وإنكاره لذاته بحثا عن إرساء فكرة لا تموت عن قدرة التسامح و الإيثار على بعث الدول ونفخ روح الاستقرار فيها. هذا الرجل الذي سجن وعذب فى سجون الاحتلال وسجون الحكومة العنصرية فى بلده خرج ليحكم فدعا إلى التوحد بدلا من الانتقام ودعا إلى التطور ولم يسعى للاغتيال و استباحة الدماء هذا الرجل آثر بلده على نفسه فتسامى فوق جراحه وآلامه ناشدا إرساء المبدأ الذي تحتفل به بلدنا مع من احتفلوا دون إن يعي مسئولونا عظمة الأفكار التي أرساها هذا المناضل الحر الذي ضرب المثل بإصراره وصبره على قوة المقاومة السلبية وقدرتها على تحقيق ما يعجز العنف على الإتيان به فالعقل أقوى من البارود و الفكر أقوى من السجون و الاعتقالات بل وأقوى من القتل نفسه فهل تفهم مسئولونا المحتفلون تلك المعاني وإنما هم فقط إمعات يسيرون مع الناس أينما ساروا فان لم يحتفلوا بأفكار الرجل و يعملوا بها بعد أن ثبت للعالم اجمع مدى قوتها على بساطتها فان لم يحتفوا بتلك الأفكار فلا معنى لتنكيس الأعلام حزنا على صاحبها فلا معنى للاحتفاء برجل ترفض أفكاره أو تتغنى بها ولا تطبقها. ثم أن تنكيس الأعلام هو أمر لا يحدث إلا فى حدث جلل ولا شك أن وفاة مثل هذا المناضل الحر الشريف لهو أمر جلل ويبقى الأخطر منه ما يحدث على ارض المحروسة أليس بأمر اجل يستوجب أن تنكس الرؤوس وليست الأعلام فقط لحدوثه أم إننا فخورون بتصدير فشلنا إلى العالم هل هذا قدر مصر التي ظلت عمرها منارة للشرق يحتذي بها و بتوجهها وان عاداها ظلت مصر مثلا يحتذي ومنارة يتطلع إليها الجميع من عرب وخليج و أفارقة و بربر و غيرهم ظلت مصر منارة التعليم على شعوب المنطقة من المحيط إلى الخليج إلى أفريقيا شمالها وجنوبها مصر التي خرجت وعلمت أطباء و ضباط ينتمون إلى كافة الدول من السودان إلى الخليج زاملونا وتعلموا مثلنا فكانوا منارة لرفعة بلدهم مصر التي حدثنا التاريخ عن عظمتها وتراثها الذي امتد لآلاف السنين مصر الحضارة التي يرنو إليها الجميع بعضهم إعجابا وبعضهم حسدا و استكثارا فماز لدى مصر الآن لتقدمه سوى هذا النموذج البائس الذي نعيشه الآن من فرقة و تشتت للشعب الذي عاش عمره شعبا واحدا فإذا بنا الآن فى زمن انتوا شعب وإحنا شعب مصر التي لم توجد بها كيانات طائفية مثل غيرها طوال عمرها أصبح البعض من أبنائها يستبيح دم الآخر وبدلا من الأخذ على يد المستبيح يغنى له البعض تسلم الايادى هل من عاقل يشرح لنا ما تقدمه تلك الأغنية كمثال إلى طفل يتيم تيتم بوفاة والده بغيا وماذا إذا قدمت إلى أم ثكلى مات ولدها الذي ربما لم يبلغ العشرين وماذا يكون حال من فقدت زوجها وعائلها قتلا وقنصا وللأسف مازلنا نجد من يبرر وينفى عن تلك الجرائم صفة الإجرام بالرغم مما يحدث ونسمع عنه من استنكار عالمي جعل البعض يغير مواقفه من السلطة بعد أن كان من المخططين لها والداعمين لوصولها إلى سدة الحكم فإذا المواقف تتغير بل أن ما يتناثر من إصرار ممولي الانقلاب على استحداث قوانين لحماية استثماراتهم أو تحديد أوجه إنفاقها لهو طامة كبرى تنال من قدر مصر وتجعل كل مصري يشعر بالخزي للمستوى الذي وصلنا إليه بفعل البعض منا فمتى نعيد حساباتنا ومتى نتعقل ونسمو بمصر فوق غلنا وكراهيتنا والكف عن تلك المكارثية المقيتة التي ستوردنا موارد التهلكة. إن كان مسئولو المرحلة يروا فى شخصية المناضل الحر نيلسون مانديلا العظمة التي تنكس من اجلها أعلام مصر فأولى أن يكونوا مطبقين لمبادئه لان جسد الرجل المتوفى الذي نحتفي به لا يعنى شيئا إذا فصلناه عن مبادئه فعظمة مانديلا لم تأتى من كونه ابيض أو اسود طويل أو قصير وإنما أتت من تساميه على جراحه وبحثه عن مستقبل أفضل لبلده هذه هي الأفكار التي لن تموت أبدا وستظل ذكرى هذا المناضل فى وجدان كل حر يتذكره و يتتبع خطواته لان الأفكار لا تموت فأين حكومتنا و مسئولونا من ذلك عند الاحتفال بتنكيس الأعلام لمدة ثلاثة أيام دون الاقتناع بفكر الرجل ومبادئه ودون العمل بها أن لم تؤمنوا بفكر الرجل فلا معنى لتنكيس أعلامكم احتفالا بجسده لان الجسد إلى تراب وكذلك كلنا إلى تراب إلا ما تركنا من أفكار بناءة و مواقف صامدة فهذا مالا يموت ولذا فلتستدركوا أموركم وتكونوا واقعيين ولتقدموا المثل الذي قدمه المناضل الحر مانديلا لتقدموا مصر على مشاعركم الشخصية ولتبحثوا عن مستقبل أفضل للمواطن المصري البسيط وليدرك الجميع أن مشاكلنا و حلولها تأتى من داخلنا ويجب أن نراهن جميعا واقصد المخلصين على داخلنا فى مصر فنحن أصحاب المشكلة ونحن أولى بحلها فقط كفوا أيديكم عن الفتنة وعن تفريق الناس وكونوا كمانديلا عندما قدم مصلحة بلده على ثأره الشخصي فتقدمت وأضافت لمجد الرجل مجدا لن يمحى أبدا هذا هو مانديلا الذي تحتفون به فمن منكم مانديلا. حفظ الله مصر وأهلها والهمم سبل الرشاد تحياتي درويش عز الدين