لم تعد فكرة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم ثير جدلا بين المؤيدين والمعارضين في العالم الإسلامي فقط , بل انتقل الجدل إلى العالم الغربي أيضا في مختلف الأوساط العلمية وغير العلمية وخاصة بعد أول كتاب ينشر في هذا الموضوع عام 1976 للطبيب الفرنسي موريس بوكاي , وهو الكتاب المعنون ب La Bible, le Coran et la science Les Ecritures saintes examinées à la lumière des connaissances modernes. أو التوراة والإنجيل والقرآن والعلم , دراسة في الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة , وهو الكتاب الذي أحدث جدلا كبيرا في الأوساط الغربية , وذلك للنتائج التي توصل إليها بوكاي , معتبرا أن القرآن هو الكتاب المقدس الوحيد الذي ينسجم مع الحقائق العلمية بخلاف الكتب الأخرى , أما الدافع الثاني الذي أثار الجدل واللغط فهو التخوف من أن يكون كتاب بوكاي مرحلة جديدة من مراحل الصراع بين العالم الإسلامي والغربي لأنه ربما سيفتح باب اعتناق الإسلام على مستويات أخرى لم تكن في حسابات المؤسسات الرسمية وغير الرسمية التي تتابع كل ما يتعلق بالإسلام , لذلك فقد قام البعض بمحاولة الرد عليه وذلك بدافعين , الدافع الأول هو اتهام بوكاي بالتحيز للقرآن , والتحامل الواضح ضد التوراة والإنجيل , أما الدافع الثاني فهو إثبات وجود أخطاء علمية في القرآن لنسف الفكرة من جذورها وذلك لمنع التحول إلى الإسلام من خلال هذا المنظور العلمي . صحيح أن كثيرا من الذين يعتنقون الإسلام ليس بالضرورة أن يكونوا تأثروا بهذا الجانب العلمي , وأن هناك أسبابا أخرى نفسية وفطرية تجعلهم يقتنعون بالإسلام , لكن الإعجاز العلمي يمثل سلاحا شديد الخطورة في ظل الصراع التاريخي بين العالمين الغربي والإسلامي . فقد كانت الإشادة بالإسلام قبل ذلك مقصورة على كبار المفكرين والأدباء مثل جوتة وفيكتور هيجو ولامارتين وتولستوي وكارلايل وبرناردشو , وغيرهم , لكنها تظل في إطار نخبوي , لذلك لم تكن تمثل للعالم الغربي هذا الهاجس المقلق , أما أن تتحول الإشادة إلى حقيقة علمية , فهذا أمر ليس بالهين , ويمثل منعطفا جديدا , يمكن أن يسمى بالصراع الناعم أو المواجهة الناعمة . ولأن العالم الغربي مغرم بالمصطلحات , فقد أطلق على مذهب بوكاي الجديد البوكائية أو Bucaillism .ويبدو أن تخوف العالم الغربي كان في محله , فقد تبع ذلك حوارات كثيرة في الصحف والمجلات والكتب أيضا بين العلماء حول هذه القضية الجديدة , حتى كتب العالم الكندي وأستاذ التشريح كيث موور كتابه عن تطور مراحل الجنين في القرآن , وتوافقها مع العلم الحديث . وتحولت مواقع الإنترنت إلى تسونامي مؤيدين ومعارضين وهو الأمر الذي يعيد إلى الذاكرة الخلاف الذي حدث هنا في العالم العربي والإسلامي حول القضية نفسها . وعلى الرغم من أن فكرة الإعجاز العلمي صارت محسومة لصالح فريق المؤيدين رغم وجود بعض الأصوات المعارضة التي تعد على أصابع اليد الواحدة , فإن الفريق العلماني العربي والمصري على وجه الخصوص , كان منزعجا بطريقة لافتة تجعلنا نتشكك في أن الصراع العلماني- الإسلامي ليس صراعا سياسيا فقط بل وربما يكون عقدي من الأساس . وهم – أي الفريق العلماني – يزعم أنه يصون القرآن من دروشة الإسلاميين حتى خرج علينا أحد هؤلاء المبتدئين في الكتابة والعلم والذين ليس لديهم رصيد لغوي أو أدبي يذكر ليشن حملة سوقية - من خلال شيء سماه كتابا- على الفكرة ومؤيديها , وربما نبدأ سلسلة في الرد عليه رغم أنه لا يستحق !