ثورة 30 يونيو| مواقف تاريخية مُشرفة.. الأزهر والكنيسة يد واحدة لبناء الوطن    الجرام يتخطى 5300 جنيه.. أسعار الذهب والسبائك اليوم السبت بالصاغة بعد الارتفاع الكبير    سلوفاكيا تمنع مجددا الاتحاد الأوروبي من فرض عقوبات جديدة على روسيا    إنريكي: مباراة بايرن ميونخ صعبة.. وهدفنا التتويج بلقب مونديال الأندية    وزير الخارجية الصيني: الحل العسكري لأزمة البرنامج النووي الإيراني يهدد العالم بكارثة    فلسطين.. طيران الاحتلال المسير يقصف خيمة تؤوي نازحين غربي خان يونس    روسيا ترفض العقوبات الأمريكية الجديدة على كوبا    انطلاق مباراة تشيلسي وبالميراس في ربع نهائي كأس العالم للأندية 2025    حريق فى مصنع سيراميك بالسويس.. والحماية المدنية تتمكن من إخماده    غدًا.. امتحان الرياضيات البحتة ل علمي رياضة بنظام الثانوية العامة الحديث    يسرا ولبلبة وتامر حسنى وإيمى سمير غانم والرداد فى حفل زفاف حفيد عادل إمام    محمد فؤاد يحتفل بزفاف ابنته بحضور عدد كبير من نجوم الفن والغناء| صور    تحرك عاجل من محافظ بنى سويف لنقل سيدة بلا مأوى لتلقي الرعاية الطبية    كايروكي في «العالم علمين» 2025.. تعرف على أسعار التذاكر وشروط الحضور    اليوم عاشوراء.. صيامه سنة نبوية تكفّر ذنوب عام مضى    مدرب فلومينينسي: هكذا أوقفنا الهلال    علاء مبارك يعلق على هزيمة الهلال أمام فلومينينسي بمونديال الأندية    مواعيد مباريات اليوم في كأس العالم للأندية والقنوات الناقلة    التشكيل الرسمي لمباراة تشيلسي وبالميراس في كأس العالم للأندية    13 قتيلا على الأقل جراء سيول في ولاية تكساس الأمريكية    الفئات المعفاة من المصروفات الدراسية 2026.. التفاصيل الكاملة للطلاب المستحقين والشروط المطلوبة    الرطوبة تقترب من 100% والحرارة تتجاوز 41.. بيان هام يكشف طقس الساعات المقبلة    «إيه كمية التطبيل ده!».. رسائل نارية من أحمد حسن بسبب مدحت شلبي    رسميا بعد الهبوط الأخير.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 5 يوليو 2025    «أبو حطب» يوجه باستمرار حملات النظافة وتمهيد الطرق بقرى أشمون    في زيارة رسمية.. البابا ثيودوروس بمدينة كاستوريا باليونان    البطريرك ساكو يستقبل النائب الفرنسي Aurelien Pradié    ميدو يكشف: شيكابالا حالة نادرة في الكرة المصرية.. والوفاء للزمالك عنوان مسيرته    منتخب مصر للناشئين يواصل استعداداته لكأس العالم    نشرة التوك شو| الوطنية للانتخابات تكشف برنامج إلكتروني موحد ورموز انتخابية جديدة    حزب العدل يصدر بيانا بشأن مشاركته بانتخابات مجلس الشيوخ    مستوحاة من المشروعات القومية.. الهيئة الوطنية للانتخابات تستحدث رموز انتخابية جديدة    غرق شاب خلال السباحة فى نهر النيل في الأقصر    العثور على جثة فتاة مفصولة الرأس داخل جوال بلاستيك بأبو النمرس.. والنيابة تُحقق    فكهاني ينهي حياة زوجته في الطالبية بدافع الشك في سلوكها (تفاصيل)    محاكمة 15 متهمًا ب"خلية مدينة نصر".. السبت    أسعار طبق البيض اليوم السبت 5-7-2025 في قنا    إعلام عبري يكشف العقبة الرئيسية في طريق استمرار المحادثات بين حماس وإسرائيل بشأن مقترح وقف إطلاق النار    إعلام إسرائيلي: تلقينا رد حماس من الوسطاء وندرس التفاصيل    «جيل Z» يشتري الفكرة لا السلعة.. خبير يحذر الشركات من تجاهل التحول إلى الذكاء الاصطناعي    4 أبراج «أثرهم بيفضل باقي»: متفردون قليلون الكلام ولا يرضون بالواقع كما هو    محافظ المنيا: "القومي للمرأة يعزز مكانة المرأة في التنمية ويخدم آلاف المستفيدات بمبادرات نوعية"    دعاء يوم عاشوراء مكتوب ومستجاب.. أفضل 10 أدعية لمحو الذنوب وقضاء الحاجه (رددها الآن)    «الحيطة المايلة» في الجسم.. خبير تغذية يكشف خطأ نرتكبه يوميًا يرهق الكبد    بدائله «ملهاش لازمة».. استشاري يعدد فوائد اللبن الطبيعي    دون أدوية.. أهم المشروبات لعلاج التهاب المسالك البولية    تفاصيل قافلة طبية شاملة رعاية المرضى بالبصراط مركز المنزلة في الدقهلية    بعد واقعة بسمة وهبي، موظفة تتهم مستشفى شهيرا بالدقي بوفاة ابنتها: الدكتور نام أثناء العملية    أخبار × 24 ساعة.. الحكومة: زيادة تغطية الصرف الصحى فى الريف ل60% عام 2025    للصيانة.. فصل الكهرباء بقرية إبشان وانقطاع المياه في قرى دسوق وقلين بكفر الشيخ    سكرولينج.. عرض يحذّر من تحول الهاتف المحمول إلى لص الحياة على مسرح الريحاني    محافظ قنا: خطة لتحويل دندرة إلى وجهة سياحية ريفية وثقافية    مصادر للقاهرة الإخبارية: رد حماس تضمن فتح المجال لمفاوضات غير مباشرة للتهدئة 60 يوما    ضبط لص لمحاولته سرقة كابلات كهربائية في مدينة 6 أكتوبر    اليوم| نظر دعوى عدم دستورية مواد قانون السب والقذف    ما هي السنن النبوية والأعمال المستحب فعلها يوم عاشوراء؟    عالم أزهري: التربية تحتاج لرعاية وتعلم وليس ضرب    خطيب الجامع الأزهر: علينا أن نتعلم من الهجرة النبوية كيف تكون وحدة الأمة لمواجهة تحديات العصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القيم في التعليم
نشر في المصريون يوم 10 - 11 - 2010

نحن في ورطة قيمية كبيرة، فالصدق شحيح للغاية وهو رأس القيم وتاجها، ومنه تنبثق سائر القيم وإليه تعود، والصدق قيمة محورية لأي مجتمع كي ينهض، ويحقق قفزة تنموية. ومن يعتقد أنه بوسعنا تحقيق شيء يذكر بمجرد تضخم أرصدتنا المالية وتزاحم مبانينا العملاقة فهو واهم وجار وراء سحائب غليظة من السراب.
كيف ننهض ونحن لا نستطيع ترك الطلاب يختبرون دون رقيب بسبب إقدامهم على الغش؟ كيف نتقدم ونحن نجد دجلاً كبيراً في التجارة والتعاملات المالية؟ كيف نتطور علمياً ونحن نتوفر على أكاديميين سعوديين يترقون - في جامعاتنا - بأبحاث ُأعدت لهم من قبل زملائهم؟ وكيف وكيف...؟؟
الحقيقة أننا نعيش معضلة قيمية كبرى، وإني لأستغرب ممن يعتقد أنني أبالغ في هذا التوصيف، ولست أدري أين يعيشون؟ ومع من يتعاملون؟ بداية الحل يكمن في الدقة في التعامل مع المشاكل أو لنقل الصدق في التعاطي معها، ودعونا هنا نصغي لأحد الحكماء وهو (ريك بيتينو) حيث يقول: (الكذب يجعل المشكلة جزءاً من المستقبل، أما الصدق فيجعلها جزءاً من الماضي)، وأنا هنا أريد أن أكون صادقاً في تشخيصي لداء نقص الصدق في مجتمعنا العربي - ومنه المجتمع السعودي - لنجعل من تلك المشكلة جزءاً من الماضي.
في الأسبوع الفارط حضرت حلقة نقاشية نظمها مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني بالتعاون مع مشروع تطوير في وزارة التربية والتعليم، ولقد أثيرت مسألة القيم في سياق التعليم العام ضمن مسائل عديدة متعلقة برؤية مستقبلية لذلك التعليم في السعودية، وأحسب أن القيم مسألة تستحق لقاءً مكرساً لها، فهي معقدة وتحتاج إلى نقاشات معمقة من أجل تفكيكها وتشخيصها بدقة. ولقد تخلّقت لدي بعض الأفكار التي لم يتح لها الظهور في تلك الحلقة النقاشية لطبيعة الحوار وهيكلته، ما جعلني أطرح تلك الأفكار في هذا المقال وأورطكم معي بها.
منذ فترة طويلة وأنا أتأمل ملف تعاطينا مع القيم، في البيت وفي المدرسة وفي المسجد وفي مسارب الحياة الأخرى، وأستغرب كثيراً لماذا نحن متورطون بالكذب لهذه الدرجة؟ طبعاً بأسماء وأشكال مختلفة تشمل: المجاملة والمداراة والتورية والمداهنة والشطارة... وهنالك أناس يبذلون جهوداً كبيرة لاصطياد بعض الفتاوى والتخريجات (الشرعية) لما يمارسونه من كذب صريح أو مبطن، وتشوهات أخرى كثيرة.
دعونا نتوجه إلى سؤال كبير: لماذا تفشل المدرسة في غرس فضيلة الصدق لدى أطفالنا؟ بالتأكيد أن هنالك أسباباً كثيرة لتلك المعضلة، غير أنني أطرح هنا سبباً ربما يكون جديداً، لا بسبب طبيعة ذلك السبب وإنما لجدة الزاوية التي نظرت منها إلى تلك المسألة. المجتمعات العربية تتكئ على البعد الديني بشكل مكثف في حياتها ومعاشها، ما يدفعها إلى التعويل الكبير على الدين في مواجهة كثير من الأزمات والمشاكل السلوكية. كيف هذا؟ وهل ثمة إشكالية في هذا المسلك؟ هنا نحتاج إلى توضيح أكبر.
حين نفكر في مسألة القيم التي يتوجب على التعليم أن يغرسها لدى الأطفال، فإننا في كثير من الأحيان نسرد بعضها كالصدق والأمانة والوفاء ونحوها، ليس ذلك فحسب بل نجد ميلاً لدى البعض إلى القول: (انتظروا، فهذه القيم موجودة في الإسلام... ولقد شدد ديننا العظيم عليها...)، وقد يذكروننا بنصوص شرعية وتطبيقات نبوية... وهنا نصطاد طرفاً من الإشكالية، فذلك المسلك (التعويلي) يحيلنا إلى (منظومة قيم افتراضية) بقالب مثالي محاط ببواعث دينية صرفة، وكأنه ُيقال لنا: (فقط دعوا هذه المسألة للإسلام، ولا تكثروا من التنظير المعقد، فهو وحده من سيحلها، لا أنتم). وهنا نتساءل: وكيف يغرس الإسلام هذه القيم؟ هل يتوفر الإسلام على آليات عملية تحقق ذلك دون تدخل بشري بهندسة فكرية واجتماعية ذكية؟
بمثل ذلك المسلك الوعظي نكون قبالة قيم مثالية دون أن نتوفر على آليات وقوالب فكرية واجتماعية وتربوية وتشريعية تصنع لنا تلك القيم في عقول الأطفال وضمائرهم وسلوكهم، فنخسر من ثم (الفعالية القيمية المثالية للإسلام) و(الفعالية القيمية التربوية للتعليم)، وهذا ما جعلني أتوسل بالمثل الشعبي (طايح فراشين) - في عنوان المقال - والذي يعني الإخفاق في تحقيق المطلوب لعدم اتباع طريق واضح موصل للهدف، فلا نحن بالذين يبتكرون طرقاً تربوية حديثة تتلاءم مع المتغيرات المعاصرة وتستجيب لتحديات التربية ومنها تشكل هويات جديدة للأطفال والشباب في الفضاء السايبري (الإنترنت)، ولا نحن بالذين يفعّلون القيم الإسلامية ويجعلونها متحركة في خارطة الواقع، فهل نظل متعلقين بأوهام أننا سالكون الطريق الصحيح؟ أم نعيد النظر في هذه المسألة ونخرج من هذه الأزمة القيمية المتفاقمة؟
لا بد من تجاوز من (التفكير الشعاراتي) والتلبس بتفكير منطقي عقلاني يوازن بين البدائل التي تصنع فارقاً حقيقياً في الراهن المعيش، وأحسب أنه من المفيد التذكير بالفكرة التي طرحتها من قبل، والتي تميز بين نوعين من الصدق: (1) صدق قيمي، نابع من الإطار الديني والثقافي، (2) صدق مدني، منبثق من الإطار القانوني أو النظامي، مع الإشارة إلى حقيقة أن الصدق القيمي لا يكفي في العالم المعاصر، بل لا بد من تفعيل الصدق المدني وتعريض الناس لعقوبات قانونية رادعة في حالات الكذب في السياقات المختلفة، كما أن الصدق القيمي يحتاج إلى أساليب وأدوات مبتكرة تفعّله بشكل حقيقي بعيداً عن الأوهام بإمكانية تحقيق ذلك باتباع الوعظ المباشر فقط، فالناس ينتمون إلى أنماط شخصية متنوعة؛ تختلف سماتها ومفاتيحها وبواعثها وكوابحها، وليس من الصائب التركيز على قوالب بعينها واستخدامها مع الجميع، وقد يشكك البعض بجدوى فكرة التمييز بين النوعين السابقين للصدق، ويعتقد بأن الصدق القيمي كافٍ للمجتمعات المسلمة، وهنا نقول لهم: كلنا يصلي، ونحن جميعاً نستمع للمواعظ الدينية في مناسبات عديدة، فلماذا ينتشر الكذب بيننا؟ وقد يُقال: لأننا لم نلتزم بالإسلام؟ وكيف نلتزمه إذن بطريقة تجعلنا صادقين؟ وأقول أخيراً لنذهب إلى بعض الدول غير المسلمة أو الدول المسلمة (العلمانية) كتركيا ولننظر - مثلاً - في قضية الغش لديهم في المدارس؟ لقد شاهدنا تجارب عديدة في تلك الدول تفيد بأن النتيجة لصالحهم وبفارق كبير من الأهداف!
وما سبق يجرنا إلى مسألة الاعتراف بتعقد مسألة القيم وبأنها بحاجة إلى تفكير أعمق، كي ننجح في غرسها، ولنبدأ بالخيار الأصعب: اختبار الصدق في التعليم العام على وجه التحديد، ولنحدد له مشروعاً وندعمه بما يكفي، على أن يُسبق بطرح فكري نقدي، يلحقه جهد بحثي تكاملي تراكمي، حينها يمكن لنا أن نصنع حزمة من البرامج التربوية والهندسة الاجتماعية والتشريعات الصارمة التي تعمل بمجموعها وتضافرها لإعادة قيمة الصدق كقيمة محورية في حياتنا، فالصدق ماء النهضة، وهو سر حياتها وسبب استمرارها ومصدر تجددها... والصدق أشبه ما يكون بجهاز المناعة للنهضة بل للحياة الإنسانية السوية المنتجة، حيث يقف بالمرصاد والمجابهة لأدواء الكذب والخداع والتضليل والأنانية والجشع والظلم والتعصب والحسد... والصدق أداة صناعة المعايير للأداء والإنتاجية ومؤشرات تقييمها على المستوى الفردي والجماعي والمؤسساتي والمجتمعي. ما لم نعترف بأصل مشكلة ضعف المصداقية لدينا فلن نصل إلى حل أو دواء، ولنهنأ إذن بأوهام العافية... ولكن مع صراع مرير مع الكذب في مستقبل أيامنا!
*أكاديمي ومفكر سعودي .
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.