هذا هو عنوان كتاب جديد للدكتور عمرو شريف، وقد وزعته مجلة الأزهر كهدية لعدد شهر محرم 1435ه، ويهدف الكتاب بحسب مؤلفه إلى "طرح أنماط الانحراف عن فطرة الألوهية والتدين، والتي تعارفنا عليها باسم الإلحاد، والتي نرصدها بالتأمل العقلي في المجتمعات المعاصرة ... كما نهدف بكتابنا إلى إثبات أن العلم المعاصر في شتى فروعه قد قدم الأدلة القوية في قضية الوجود الإلهي... حتى صرنا – بلا شك – نحيا في زمان تحقق قول الحق تعالى: (سنريهم آياتنا فى الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أوَلم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد) [ فصلت: 53]. وكان د. محمد عمارة رئيس تحرير مجلة الأزهر قد قدم للكتاب وبين أن الإلحاد مشكلة أوروبية قديمة بسبب طبيعة الفكر اليوناني، وتجددت مع الحضارة المادية التي بلغت ذروتها مع الفلسفة الماركسية، حتى أصبحت اليوم نسبة من يؤمنون بوجود إله للكون بينهم 14 % فقط. بدأ المؤلف كتابه عن نشأة الإلحاد المعاصر وسماته، وأنه بعد تحرر أوروبا من سطوة الكتاب المقدس – المحرف عند المسلمين- وانتصار العلم التجريبي على فرضيات الكتاب المقدس بثبات الأرض ومركزيتها، تغيرت مفاهيم كثيرة لدى الأوروبيين منها: شيوع النظرة الميكانيكية للإنسان والكون وعدم الحاجة للإله، فقد أصبح يمكن التنبؤ بحركة الرياح والموج وتجنب العواصف، وطال عمر الناس باستخدام الأدوية. ومع وجود نقمة شديدة على رجال الكنيسة بسبب اضطهادهم للعلماء واستغلالهم للناس واستيلائهم على أموالهم، تفشت نزعة الاستغناء عن الكنيسة وما تؤمن به، ثم جاءت مقولة الماركسية "الدين أفيون الشعوب"، والتي قصد بها تحليل الصراع السياسي مع الحكام والإقطاعيين ورجال الكنيسة، لتفرز بيئة تتقبل بسهولة مقولة نيتشه: "هل مات الإله؟". وفي عالمنا المعاصر فإن الفلسفة المادية هي التي أسست للإلحاد، ويشرح ذلك د. عبدالوهاب المسيري بقوله: "القرن التاسع عشر قد شهد انتقالا تدريجيا من الرؤية الآلية للإنسان إلى الرؤية العضوية، فإذا كان نيوتن قد جعل من الكون ساعة والإله هو صانع الساعة، فإن عَالم دارون العضوي يختفي منه الإله تماما، فأصول الإنسان تعود للقرود والزواحف، ثم يؤكد فرويد أن غابة القرود تقع داخل الإنسان في شكل واعٍ مظلم وغرائز متفجرة، وبافلوف يجري تجاربه على الكلاب ثم يطبق نتائجها على الإنسان، فهو يفترض عدم وجود فروق جوهرية بينهما. وأخيراً يأتي فوكوياما، فيقارن الإنسان ببعض الأشكال التي ترسم على الرمال ثم تمحوها الأمواج! أي أننا أصبحنا لا شيء". (باختصار وتصرف يسير). في الفصل الثاني يعرض المؤلف وفاق العلم مع الدين، ويقرر أن أساسيات الدين ثلاثة: وجود إله خالق للكون، ووجود غاية من هذا الخلق، وأن للكون نظاماً أخلاقياً يحدده الإله الخالق. ولذلك حين تجاوز العلماء في أوروبا الكنيسة ومقولاتها، صُدموا بسؤالين: لماذا خُلق الكون؟ وسؤال: كيف خُلق؟ فقاموا بنفي الغاية عن الكون لعدم قدرتهم عن الإجابة من خلال العلم ولرفضهم جواب الكنيسة! واقتصروا على إجابة السؤال الثاني، وأصبح الإلحاد يتوسع! لكن هل العلم يتعارض مع أسس الدين، هل استطاع العلم أن يثبت نفي الإله؟ أو هل ثبت علمياً ما يتعارض مع أسس الدين؟ بالعكس فالذي حدث مع الأيام ثبت قصور العلم – التجريبي- عن كثير من المعارف كالفلسفة والفنون واللغات، مما دعا برتراند رسل أن يعترف "أن أكثر الأسئلة أهمية وإثارة تقع خارج قدرات العلم، مثل إذا كان الوجود ينقسم إلى مادة وعقل، فما المادة وما العقل، وما العلاقة بينهما... لا إجابة في المعمل"، وبهذا ثبت أن العلم يتعامل مع الآليات فقط وليس الغايات، والتي هي خارج نطاق العلم، وهو نطاق الوحي والإيمان! مشكلة الأوروبيين أنهم حين أسقطوا القداسة عن الآليات كالبرق والرعد والتي كانت تعتبر مقدسة بنفسها، -وهم محقون في ذلك- تجاوزا فأسقطوا القداسة عن خالق الآليات، وهذا تميز الإسلام الذي رفض أن تكسف الشمس لموت أحد لكنه يعترف بأن الله عز وجل هو خالق الكسوف والشمس والقمر، فنحن نقر بالآليات التي توصل لها العلم باعتبارها من خلق الله عز وجل. وكان الفصل الثالث من الكتاب عن براهين العلم على وجود الإله، حيث فند المؤلف بشدة دعوى الملاحدة أن الإيمان وخاصة الإسلام يتعارض مع العلم، ففصّل في نظريات نشأة الكون والانفجار العظيم، ومما لفت نظري قوله: "العلماء يؤكدون أن ثوابت الكون الفيزيائية قد تم ضبطها بدقة بحيث تسمح بنشأة الكون، وثبت أن هذه الثوابت تم ضبطها أيضاً بحيث تسمح بظهور الحياة على كوكب الأرض، بل وظهور الإنسان"، فهل هذا كان عبثاً وبدون غاية؟ ولذلك قال بعض علماء الغرب: كيف يستطيع كون خال من الغائية أن يخلق إنساناً تحركه الغائية والأهداف، ثم استعرض تفاصيل قضية ظهور الحياة واستحالة ذلك بالصدفة علمياً. وفي الفصل الرابع تعرض لقضية الأخلاق بين الدين والإلحاد، وأثبت أن الدين هو محدد الأخلاق الصحيح، لأن العلم لا يحدد معايير للخير والشر، ومن هنا نرى كيف تطورت العلوم لإنتاج أسلحة فتاكة أو أسلحة عرقية بشعب محدد، وكيف أن بعض العلماء يسخّر علمه للإضرار بالآخرين، وكما قال الأديب الروسي دستوفسكي: إذا لم يكن الإله موجودا فكل شيء مباح. ويختم بالفصل الخامس عن الإلحاد في عالمنا الإسلامي، وذكر بعض أنماط الإلحاد التى تورط بها بعض الشباب، والتي لا تقوم على حجج ومفاهيم بقدر ما هي أزمات نفسية ترغب بالتفلت من الأحكام الشرعية وقيود الأخلاق الكريمة. وفي الخاتمة ركز على إبطال بعض الشبهات وخاصة شبهة "الألم والشر" التي يتحجج بها الملاحدة لإلحادهم، بقولهم كيف يقوم الإله الرحمن الرحيم بالسماح للشرور والآلام أن تصيب البشر، مِن الأطفال والأبرياء وغيرهم، وهذه حجة ساقطة لأن الإيمان يقوم على أن هذه الشرور ليست نهاية المطاف كحال الإلحاد الذي لا يؤمن باليوم الآخر، فالمؤمن يؤمن أن هناك حياة أخرى سيعوض فيها الناس عن آلامهم ومتاعبهم، ويأخذون حقوقهم، وإلا لكان المجرمون هم الفائزين في الدنيا، ولكانت أخلاق الغابة هي قمة العقلانية!!