على أن ثمة من سعى إلى الحق واجتهد في معرفته وتبين أدلته فهداه الله إليه وفي الطليعة من الساعين إلى الحق الأستاذ الفاضل أحمد الكاتب. ويشرفني بداية أن أصرح بأن الأستاذ أحمد الكاتب في كتابه "السنة والشيعة: وحدة الدين، خلاف السياسة والتاريخ" كان مستوعبا استيعابا عميقا لموضوعه، وكان محللا محايدا إلى أبعد الحدود، وكان بفضل الله موفقا كل التوفيق الذي ينتظر من البشر غير المعصومين، ولا عصمة لأحد بعد نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام. لقد كنت – وأنا أمضي في قراءة الكتاب – فاحصا دقيقا، أرقب ميل الكاتب إلى السنة أو الشيعة، مفتشا عن بعض صور الميل إلى الهوية لأعرف مذهب الكاتب الذي لم ألتق به، ولم أعرفه إلا من خلال كتابه، ولذلك كنت سعيدا حين طلب مني الناشر أن أقدم له باعتباره محاولة جادة لدراسة العوامل التي خرجت بالسنة والشيعة عن أصول الدين الواحد، لتدخل إلى خلافات السياسة والتاريخ من خلال أطماع الساسة. يرى الكاتب الكبير أن وحدة الدين قائمة بين المتفق عليه في العقائد والمختلف عليه وهو الإضافة الشيعية القائلة بعقيدة الإمامة الإلهية، وقد درس الكاتب المصادر الأساسية للتشريع، ثم القضايا الفقهية لا سيما الخلافي منها بين السنة والشيعة، والتي تتمثل في قضية زواج المتعة. ويعالج المؤلف نشوء الخلاف التاريخي والسياسي الذي كان بداية تمزيق الأمة بدءا من الموقف من الصحابة عند الطرفين، وسيطرة بعض الأساطير الشيعية التي فندها بعض منصفي الشيعة، وعلى رأسهم أمد الكاتب نفسه (جزاه الله خيرا). وذلك مثل أسطورة موقف أبي بكر وعمر من السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنهم، وطبيعة العلاقة بين الإمام علي والشيخين، مشيرا إلى ضعف أو أسطورية الروايات الشيعية ول هذه المحطة من محطات تاريخنا، ومبرزا في النهاية دور الصفويين البالغ السوء في تأجيج الفتنة بين السنة والشيعة. ويقف المؤلف نفسه موقفا رائعا من الأدعية والزيارات الشيعية التي أضفت المسحة الدينية على التاريخ، وكان لها دورها السلبي في علاقة الشيعة بالعقل والمنطق والنصوص الدينية، كما شوهت المذهب الشيعي، وباعدت بين السنة والشيعة ومزقت أواصر الصلة بينهما . وقد قدم الأخ المؤلف – كنموذج – كتاب "مفاتيح الجنان" الذي ألفه الشيخ عباس القمي في القرن الرابع عشر الهجري اعتمادا على كتاب "مفتاح الجنان" الذي لم يعرف له مؤلف، إلا أنه أمشاج من الكتابات المقتبسة من بعض الأدعية والزيارات التي تحتاج إلى تمحيص. ومع أن الشيخ القمي بذل جهدا كبيرا لتنقية كتاب الأدعية والزيارات، إلا أنه تسرب إلى الكتاب كثير من تلك الأدعية المزورة والزيارات الموضوعة. وأخيرا يتناول الكتاب الطريق إلى الوحدة الإسلامية، مقدما عددا من المقترحات البناءة التي لا نملك إلا موافقته عليها، شريطة أن تتطهر القلوب وتصفو النيات، وأن يقر إخواننا الشيعة في إيران والعراق بأخطاء بعضهم الكبيرة ضد أهل السنة مع السعي الجاد لإصلاحها، حيث ساند بعضهم العدوان الأمريكي، وقتلوا إخوانهم ومثلوا بهم وهدموا مساجدهم، وكأنهم يثأرون من صدام حسين، رغم أن أهل السنة عانوا من صدام مثلما عانى إخوانهم الشيعة. كما أننا ندعو الشيعة إلى إنصاف إخوانهم السنة في إيران، وعدم غمط حقوقهم في حدود نسبتهم العددية. وفي ضوء ما تقدم فنحن نوافق الكاتب على ما أورده من اقتراحات علمية موصلة إلى تحقيق الوحدة الإسلامية، كالانفتاح الثقافي، وإشاعة مناخ الحرية الإعلامية وتشجيع الدراسات في الجامعة والمعاهد والحوزات الدينية المختلطة، ورفع الصبغة الطائفية عن بيوت الله ......إلخ. وكان جميلا أن يشير الكاتب إلى أن الشيعة الحقيقيين (الأصوليين) ملتزمون بالرواية عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما يرى أن هناك حقا للصحابة في التشريع مثل حق أئمة آل البيت، مع أن كل الصحابة إنما هم مجتهدون في فقه التشريع؛ فالشريعة لله ورسوله، ونستطيع أن نرد اجتهادات عمر كلها إلى أصولها التشريعية (ص24). وحسبما نقله الأستاذ الكاتب عن موسى الموسوي في التقية بأنها لا يمكن أن يفكر فيها أهل البيت، فهم لا يخشون في الحق لومة لائم، ولا يعرفون أساليب النفاق، فقد كان دور التقية في تحطيم الكيان الفكري والإرادي للإنسان هو دور المخدر؛ لذا فهي "أفيون الشيعة"، وأنا أقترح نشر هذا الشعار لتنفير إخواننا الشيعة من التقية. وحسنا فعل حين أشار إلى موقف الشيعة من السنة النبوية حين ذكر أن أحاديثهم غالبا ما ترفع للأئمة من آل البيت، ولا توجد إلا روايات قليلة مرفوعة إلى الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم. ومع احترامنا لنقده لكتب الحديث السنية إلا أن كل ما أورده عن مما أخذ على وثوقية السنة مردود عليه في ظل أدق علم عرفه أهل السنة، وهو الجرح والتعديل. وكذلك كان حسنا ما أورده من أن شراح كتاب الكافي المتأخرين اعتبروا معظم أحاديثه غير صحيحة، وذلك للدور الخطير الذي لعبه هذا الكتاب في إفساد التشيع، وإحداث شرخ عميق بين السنة والشيعة. (ص 60). وقد أحسن المؤلف حين أشار إلى أن السب أو اللعن مرفوضان لأي إنسان يختلف معنا، فكيف نسب الصحابة أو التابعين ونلعنهم؟! والمسلم ابتداء ليس سبابا ولا لعانا، ومن ثم لا يجوز التعبد – كما يصنع غلاة الشيعة – بسب أفضل الخلق بعد الأنبياء. وقد كان المؤلف موفقا عندما فض محمد الشاهروردي الذي يقف وراء فرية إيذاء عمر لفاطمة رضي الله عنهما، فهو رجل مفسد كل الإفساد كما يبين الأستاذ أحمد الكاتب، وذلك فضلا عن دحض روايات إبراهيم الثقفي وسليم بن قيس الهلالي والسيد علي الميلاني، وغيرهم ممن مالوا لافتراء أوهام لا أصل لها، وكان حسنا جدا ما أورده الأستاذ الكاتب حول دور الصفويين في تأجيج الفتنة بين السنة والشيعة، وحشو المذهب الشيعي بأساطير وخرافات استسلم لها كثير ممن جاء بعدهم. والكاتب متميز كذلك في تتبعه الدقيق لدور الأدعية الموضوعة الحافلة بالأباطيل مثل حديث الكساء ودعاء يوم الدير وأدعية الزيارات وزيارة عرفة وزيارة عاشوراء، وما يسمى بالزيارة الجامعة لجميع أئمة أهل البيت. *** إنني ما أردت بكتابة هذه المقالة الكبيرة الحجم بعض الشئ، إلا أن أبين لأخي وحبيبي الدكتور محمد سليم العوا أني معه أبحث عن الحق وأبحث عن التقارب الإسلامي الصحيح القائم على الصدق والواقع والأرقام والإحصاءات، الذي يبين ويؤكد أن أخواننا الشيعة يتكلمون بلغة ويتعاملون مع الواقع بلغة أخري، حتي وصلوا إلي الدرجة التي جعلوا فيها أخي وحبيبي وشيخي الدكتور يوسف القرضاوي يثور ثورته وأغضبت بعض الناس وأرضت الكثيرين ، بعد أن زار إيران مرات لا تعد ولا تحصي، وحضر معظم مؤتمرات التقريب في (قم) وفي غيرها. ثم وجد نفسه في موضع لا يحسد عليه وشعر بشئ من الإهانة لأنه لاحظ التفاوت الكبير بين ما يقال له وبين ما يحدث. وكل ما أطلبه من أخي وحبيبي الدكتور العوا أن يأخذ بيدي إلي شاطئ الحقيقة،لا سيما وقد عرف وأني عشت القضية منذ أمد ليس بالقصير، حين حاورت رئيس تحرير مجلة المنهاج اللبنانية الشيعية ، وحين تعرفت عليها معرفة عميقة وأكن لصاحبها كل تقدير (الدكتور أحمد الكاتب )المغترب، وحين قرأت سلفاً للدكتورعلي شريعتي رحمه الله والأستاذ موسي الموسوي. * أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية رئيس تحرير مجلة التبيان