تبوأ معرض الشارقة للكتاب مكانة رئيسة في الشرق الأوسط خلال وقت قصير. عندما يولد كبيرا معرض متخصص في الكتب ويحوز كل هذا الاهتمام من كبار الكتاب والمثقفين في العالم العربي في زمننا الذي تراجعت فيه قيمة المطبوع وهبطت مبيعاته إلى أدنى المستويات في ظل الاقبال على الفضاء الالكتروني حتى فيما يخص صناعة الكتاب، فذلك يعني أن جمهوره سيظل حيا يرزق، وستظل الكلمة المطبوعة جوهرة نفيسة تقاس بها قيمة المجتمعات الثقافية. في أحد أورقة المعرض يبرز "حروب كرة القدم" للإعلامي الدكتور ياسر ثابت باعتباره توثيقا نادرا للدور السياسي لهذه اللعبة الشعبية في حل أزمات واختناقات الأنظمة العربية وفي مقدمتها مصر. على نار هادئة تنضج كر ة القدم في مطبخ السياسة، فإنتصارات الرياضة أسهل كثيرا من إنتصارات السياسة. دخلت كرة القدم إلى مصر من بوابة الإحتلال وكان وراءها اللورد كرومر حتى يشغل المصريين عن غيرها، فقرر تعديل مناهج التعليم واختصار الدروس والسماح بممارسة الرياضة وتحديدا كرة القدم. وشرع موظف بإدارة الورشات الإنجليزية بالعباسية اسمه محمد افندي ناشد في تشكيل أو منتخب لمصر ودخل أول مباراة كرة قدم في التاريخ المصري عام 1895 ضد منتخب قوات الاحتلال الانجليزي في ملعب قرة ميدان بالقلعة. لعب المنتخب المصري بحماس شديد كأنه في حرب لطرد الاحتلال، وسجل محمد أفندي ناشد الهدف الأول واتبعه محمد افندي بالهدف الثاني، وبعد صافرة النهاية التي اطلقها حكم إنجليزي خرج الجمهور مبتهجا فرحا وانتقل الابتهاج لباقي المواطنين كأن الانجليز قرروا خجلا من هزيمتهم الكروية الرحيل إلى بلادهم! يوثق كتاب الدكتور ياسر سيطرة الأسرة الملكية على المؤسسات الرياضية منذ مطلع القرن العشرين. كان نادي الزمالك اسمه نادي فؤاد (على اسم الملك) وبعد وفاته تغير إلى نادي فاروق الذي كان حريصا على حضور المباراة النهائية للكأس التي تحمل اسمه. تقدم (الزمالك) بهدف في مرمى الأهلي فتهكم الملك على أحمد حسنين باشا رئيس ديوانه الذي رد عليه بأن العبرة في بالنهايات، لكن فؤاد سراج الدين وكيل النادي الأهلي خاطب الملك قائلا: الأهلي سمح بهذا الهدف على سبيل التحية لجلالكتم! بعد الثورة قال هيكل إن جمال عبدالناصر لم يكن أهلويا ولا زملكاويا. إلا أن منير حافظ الرجل الثاني في مكتب معلومات الرئاسة كشف تشجيع عبدالناصر للأهلي سرا، وأن بيته كان يعيش حالة فرحة ظاهرة ومعلنة كلما فاز، وظل حريصا على أن تظل أهلويته من أسرار الدولة العليا حتى يبقى رئيسا لكل المصريين. طلب عبدالناصر أن تسهم مباريات الكرة في تسليح الجيش المصري وحضر مباراة بين الأهلي والزمالك وجلس مع قادة الثورة في مقصورة استاد الأهلي يوم الجمعة 21 اكتوبر 1955. تقدم الأهلي بهدفين لهدف فاقترب أحد المتفرجين من عبدالناصر وأصر على أن يعطيه قطعة حلوى فقبلها مبتسما وسعيدا. اعتبر الجمهور ذلك اشارة حب منه للأهلي وفرحة بانتصاره. كان المشير عبدالحكيم عامر نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة رئيسا لاتحاد كرة القدم، والفريق أول عبدالمحسن كامل مرتجي قائد القوات البرية في حرب يونيه 1967 رئيسا للأهلي. بعد الهزيمة اُتهمت الكرة بأنها شغلت المشير عامر عن مهمته الأساسية في قيادة الحرب، وكان هناك ثلاثون لاعبا برتب ملازم وملازم أول ونقيب، ويحصلون على رواتب تؤمن لهم حياة كريمة بدون الانخراط فعليا في الجيش. عندما تولى الفريق أول محمد فوزي قيادة القوات المسلحة عقب الهزيمة قام بفصلهم ورفض اعطاءهم معاشات ومنهم الضظوي وصالح سليم ورفعت الفناجيلي وطارق سليم والشاذلي ومصطفى رياض وعبده نصحي وسمير قطب وخورشيد وفؤاد مرسي ويكن حسين ورأفت عطية وعصام بهيج وحنفي بسطان. في زمن آخر ظهر المشير محمد عبدالحليم أبو غزالة وكان أيضا مولعا بالكرة يمارسها مع عساكره حيث كان يلعب معهم عندما كان رئيسا لأركان المدفعية، فيتصايحون "العب يا افندم.. باصي يا افندم"! عرف عنه أنه أهلاوي صميم، وحدث أن فاز الأهلى على الزمالك في الستينيات بثلاثة أهداف فأرسل برقية تعزية إلى زوج أخته الزملكاوي كتب فيها "تعازينا في الثلاثي المرح"! الكرة أقامت أيضا علاقة مع الدين تخطت المستطيل الأخضر، فقد حظيت باهتمام جماعة الإخوان المسلمين، حتى أنه كان للاخوان 99 فريقا في أنحاء القطر المصري، وابتكروا فكرة "كأس المرشد العام" الذي يحضر الإمام حسن البنا مباراته النهائية ليسلم الكأس للفريق الفائز. في أحد دروس الثلاثاء قال البنا إن فريق الإخوان لشعبة كذا فاز في المباراة النهائية وحصل على الكأس، فصاح الشيخ محمد الحموي وكان سورياً يدرس في الأزهر: يا أستاذ الكأس وعاء خمر، أهذه كلمة تقال في محيط الإخوان؟!.. فابتسم الإمام وقال في دعابة: أتغضب يا شيخ محمد، إذن حصل على "القدح" فضج المركز بالضحك! [email protected]