شهدت بالمصادفة حلقة من حلقات "واحد من الناس" التي يقدمها الزميل عمرو الليثي على "دريم" والتي خصصها لما سماه "سجينات الفقر". عرفت في نهاية البرنامج أنها الحلقة الثالثة والأخيرة والتي توجه خلالها إلى ذوي القلوب الرحيمة من الأثرياء لتخصيص جزء من زكاة أموالهم لسداد ديونهن والافراج عنهن. الحلقة كانت مؤلمة.. وعرضت حالات شدية البؤس جريرتهن أنهن "فقيرات" حاولن شراء ضروريات بيوتهن أو تجهيز بناتهن للزواج ب"التقسيط" أو "أميات" لا يجدن القراءة والكتابة جميعهن وقعن تحت عمليات نصب منظمة تقودها "أشباح" يجوبون الشوارع يبحثون عن فريسة ضعيفة أو فقيرة أو أمية ثم يغررون بها حتى تقع في الشرك وتوقع على عشرات الشيكات على بياض لقاء سلع بسيطة لا يمكن أن تكون ضمانة عادلة لحقوق الدائن. خلف الأسوار المئات من النساء المصريات الفقيرات اللاتي يقضين عقوبة الحبس بالسنوات لعدم قدرتهن على الوفاء بسداد ديونهن لشوية نصابين وأوغاد عديمي الدين والضمير والإنسانية. أسر بالكامل كما ورد في الحلقة دمرت وأطفال باتوا في الشوارع عرضة للعصابات التي تستغلهم في التسول والسرقة بعد أن يعتدون عليهم جنسيا ويخضعون لأسوأ عمليات الابتزاز والارهاب لمجرمي وبلطجية الشوارع . المؤلم أن بينهن من دخل السجن لدين لم يتجاوز ألفي جنيه!.. ولقد رأيت ذات يوم سيارة الترحيلات وهي تقل بائعة فجل إلى السجن.. وسمعتها وهي تصرخ في الناس تستنجد بهم وعرفت من صراخها أنها استدانت لتجهيز إحدى بناتها إلا انها عجزت بعد شهور من سداد ما تبقى من دينها. أعلم ان جزءا من المشكلة تتحمل مسئوليتها الضحية، وأنه ينبغي عليها أن تحتاط إذا كانت متعلمة باصطحاب محامي أو قريب لها متعلم إذا كانت امية .. غير أن الدولة أيضا غائبة عن حماية مواطنين بسطاء.. من نصابين لا يستهدفون إلا تلك الفئة من المجتمع لسهولة اصطيادها.. ولا نجد للدولة حضورا إلا عندما تعجز المسكينة عن السداد فتلاحقها شرطة تنفيذ الاحكام لايداعها داخل الزنازين الموحشة! المفارقة المدهشة هنا أن "سجينات الفقر" كما اطلق عليهن البرنامج، لا يشعر بهن أحد لا المجتمع في عامته ولا في خاصته .. فإما أنه مغيب وراء البحث عن لقمة العيش اليومية أو تبلد ضميره الجمعي على نحو بات مجتمعا من الذين قست قلوبهم فهي كالحجارة أو أشد قسوة.. فيما يرفل أثرياؤه من رجال الأعمال الطفيليين في نعيم ما نهبوه من أموال البنوك ومن أراضي الدولة.. يتقلبون به بين أحضان البغايا.. ويرتعون في منتجعاتهم المعزولة عن مصر الحقيقية التي سجنت نساء مصريات كل جريمتهن أنهن "فقيرات"! يبقى هنا ان أتقدم بالشكر إلى فريق العمل الذي شارك في التحضر والاعداد وتقديم هذه الحلقات والتي نقلت هذه المأساة من ظلمات السجن إلى بؤرة الضوء وليرق لها قلوب بعض فاعلي الخير من المحسنين. [email protected]