عندما يتألم أمامك أعز الناس وأنت عاجز عن أن تفعل له شيئا ، عندما تراه ينزف رحيق حياته فقط لأنك لا تملك مالاً أو نفوذاً أو سلطة ، عندما يصبح الموت أرخص وأجدى من الحياة ومن العلاج ، ليس بوسعك الا أن تقول حسبى الله ونعم الوكيل ، تقولها فى البدء والمنتهى ، ليس اعتراضاً على قضائه ، تبارك وتعالى ، ولكن لأن مشيئته ، جلَّ فى علاه ، أرادت ، لحكمة لا يعلمها الا هو سبحانه ، أن ينعقد سبب ذلك كله على أناس نُزِعَت من قلوبهم الرحمة . هذا ما جرى مع الحبيبتين ، "حبيبة" ذات السنوات الأربع التى دهستها حافلة المدرسة لترقد بين الحياة والموت حتى كتابة هذه السطور ! ، ومن قبلها بأيام "حبيبة" ذات السنوات الثلاث التى قضى على مستقبلها أرعنٌ من أولئك الذين يدوسون ويرتعون فى طول البلاد وعرضها بسياراتهم الفارهة فى غيبة القانون ، ودون وازع من عقل أو دين أو ضمير ! القصتان ، أو المأساتان ، عرضهما وتبناهما الاعلامى القدير "معتز الدمرداش" فى برنامجه الرائع "90 دقيقة" ، ليُظهِر خلال اسبوع واحد ، ربما دون قصد ، أبشع سوءاتنا ومثالبنا ، بعد أن اشتركت الحبيبتان فى نفس الظروف ، وتشابهت طريقة المعالجة الطبية للحالتين من اهمال وسلبية وتغليب لسبل جمع المال على رسالة الرحمة والشفقة والانسانية التى حض عليها ديننا الحنيف وحثت عليها كل الشرائع السماوية ناهيكم عن نصوص القانون ومتونه ، لولا أن "حبيبة" ذات السنوات الثلاث ، قيض لها سبحانه امرأة فاضلة خَيرة من دولة قطر تكفلت برعايتها والانفاق على علاجها فى المشفى المصرى "الحكومى بالمناسبة" !!! ، فى وقت غاب فيه الخير وأهله عن بعض هذا البلد كما يبدو ، ونسينا أن من لا يَرحم لا يُرحم ، واكتفينا بمظهر الدين والتدين ، وتغافلنا عن الجوهر والمضمون ! رغم أن كلٍّ من هؤلاء "يُزين" مكتبه بكتاب الله وآياته ! ورغم أن أغلبهم إما قادمٌ من حج أو عمرة أو فى طريقه اليها ! ، بينما "حبيبة" الأولى "حنَّ" لها قلب وزير الصحة فقط تحت ضغط الرأى العام بعد أن رفضت مشافى الأغنياء استقبالها ، ليستقبلها هو فى مشفاه الخاص بعد 17 ساعة كاملة .. كانت فارقة بين الموت .. وبين معاناة الحياة بمخ متهتك لطفلة بريئة تحبو خطوات سنيها الأولى ، ولله الأمر من قبل ومن بعد . المأساة لخصها والد "حبيبة" ذات السنوات الأربع فى كلمات موجزة ، بعد أن احتسبها ومصيرها عند الله تعالى ، قائلاً .. "أنا حزين إنى من البلد دى" .. ترى هل سمعه ووعى كلامه أحد الفرحين السعداء ؟ مواساتى لأسرتى الحبيبتين ، وعزائى للمجتمع الذى فقد وجهه ، وتحيتى وتقديرى للاعلامى "معتز الدمرداش" ، أما الباقون .. وكثيرٌ ما هُمّ .. فلا نقول أبداً مخلصين الا .. حسبنا الله ونعم الوكيل .. حسبنا الله ونعم الوكيل .. حسبنا الله ونعم الوكيل ، وحتى يأتى الله بأمر من عنده .. نصيحتى لكل مصرى بسيط يعيش على أرض هذا البلد .. أن ، بعد الله تعالى ، ابحث لك عن "كفيل" ! ضمير مستتر: { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ } الحج 48 [email protected]