فى رائعته "اعترافات" ، أورد الفيلسوف السويسرى "جان جاك روسو 1712- 1788" ، عبارة شهيرة ينسبها قرائه الى "مارى انطوانيت" الملكة الأشهر فى تاريخ فرنسا ، والتى كانت تتكلم بما يمليه عليها وزراؤها وبطانتها ، الذين أفهموها ، محاولة لتبرير مظاهرات الجياع التى اندلعت فى شوارع باريس وحفاظاً على مناصبهم من ناحية أخرى ، أن المخزون الاستراتيجى من "الكعك" متوافر لدى المواطنين ! وأن المظاهرات التى تراها جلالتها ليست الا (Démonstrations des voleurs) .. أو "انتفاضة حرامية" بالمعنى "الوطنى" ، تؤججها "القلة المندسة" عديمة "الديمقراطية" ، وأن الموقف كله تحت السيطرة ، لذلك .. فلا شىء يدعو للقلق .. فُكِّىِ خطاكِ جلالَتِك وتعطرى ! ، ولما أخبرها أحد المخلصين محذراً من أن المتظاهرين جوعى لا يجدون الخبز ! ، كان ردها ، عملاً واقتناعاً بنصيحة بطانة السوء ، "إذن دعهم يأكلون الكعكً" ! ، فكانت النتيجة أن انتهت حياتها ، "بعيد عن السامعين" ، تحت المقصلة .. على أيدى الشعب "الفقرى" الذى تظاهر تذمراً وبطراً لاستبدال الخبز ، الذى هو أدنى ، بالكعك ، الذى هو خير !! تذكرت ذلك المشهد الدرامى التاريخى مع متابعتى لكلام "الشاب الوسيم" ، صاحب أشهر "تصفيفة" شعر فى مصر كلها ، الدكتور مجدي راضي ، المتحدث الرسمى باسم مجلس الوزراء ، فى رده على أسئلة الصحفيين عن الخطوات التى ستتخذها الوزارة لمواجهة حالة الغلاء والانفلات فى الأسعار التى تشهدها أسواق المحروسة ، فأجاب غير راضى ، وبقرف ملحوظ : "طماطم ايه اللي بتسألوا عليها ، وباذنجان ايه ؟!" ، ثم عقب مستنكراً : "ما علاقة رئيس الوزراء بالطماطم والباذنجان؟!" ، ثم "تسائل" نافياً ، وبراءة الوزراء فى عينيه ، عن ذلك المكان الذى تباع فيه الطماطم ب 7 أو ب 8 جنيهات ، مؤكداً أنها مجرد شائعات ، نسى أن يصفها بالمغرضة ، ثم سخر مسفهاً : "أمامنا أهداف أهم من الطماطم والكوسة" ، رغم أن أحداً لم يسأله عن "الكوسة" .. ربما تأدباً ! وبدلا من أن يصمت الصحفيون ، سأل سائلٌ و"تسائل" برذالة منقطعة النظير ، عن سوء أحوال محصول القطن والمشاكل التي تواجه الفلاحين هذه الأيام ، فأجاب راضى ، بارك الله فيه : "أنت لسه فاكر القطن ؟! ، ناقص تطلب مني أكلمك عن القطن طويل التيلة !! ، يا إخوانا نتحدث عن الاستثمار .. عن التنمية .. عن هذه الانجازات "العظيمة" مش الطماطم وطويل التيلة".. يقصد بتلك " الانجازات العظيمة" مناسبة افتتاح مصنع لمواسير الصرف الصحى ، وليس مواسير الألمونيوم النقى المخصصة للمفاعلات النووية مثلاً !! ، ويقصد ايضا ، على حد فهمى المتواضع ، ضرورة الترفع عن تلك الأمور الثانوية التافهة التى يثيرها المغرضون الذين لم يجدوا فى الورد عيباً فأبوا الا عرقلة مسيرة "الانجازااااات" التى ينعم بها علينا مجلس الوزراء الذى يتحدث الدكتور، راضياً ، نيابة عنه ! والتى ببركتها أصبح ما يزيد على ال 40 مليون مواطن مصرى يعيشون تحت خط الفقر حسب تقرير "لجنة الانتاج الزراعي يمجلس الشورى" ، و46% من الأسر المصرية لا تجد الطعام الكافى للحركة والنشاط حسب تقرير "شعبة الخدمات الصحية والسكان بالمجلس القومى للخدمات والتنمية الاجتماعية" التابع للمجالس القومية المتخصصة ، حتى قبل ارتفاع الأسعار . والحقيقة أن الرجل لم يقل الا صدقاً ، فلا توجد طماطم الآن ب 8 لأنها تعدت حاجز ال 12 جنيهاً ، وربما كان سؤاله الاستنكارى السابق نوعاً من المكر لمعرفة ذلك المكان الرخيص الذى غاب عن عيونهم ! ، أما الباذنجان ، الطبخة "السوداء" ، الذى كنت أسمع بائعه وقتاً ما يروج له منادياً بشجن دفين " يا خيبتك يا بتنجان" مدللاً على رخص ثمنه ، فقد تعدى سعره ال 10 جنيهات ! بعد أن أصبح قطع دابره من الأسواق من أهم الأولويات رأفة ورحمة بالشعب الحبيب ، وذلك نظراً لثبوت علاقة سواده المباشرة فى عدم رؤية "انجازااااات" الحكومه الجميلة العزيزة الغالية ! ، أما القطن طويل التيلة ، فهو محصول غير "وطنى" دسه علينا الباشا محمد على الألبانى الأصل ، ورعته أسرته وتكفلته طوال العهد "الرجعى البائد" حتى طبقت شهرته الآفاق ، لذلك يجب على الحكومة "الوطنية" استئصال شأفته واستبداله بالكتان المصرى الأصيل .. رداء الأجداد وغطاء المومياوات ، اثباتاً لمصريتنا ، وتكذيباً عملياً مفتكسأ لكل من يدعى أن أغلبية المصريين ضيوف على أرض هذا البلد ! لقد اتجه الصحفيون باسئلتهم ، معكرة الصفو مفسدة المزاج سماوية الهدف والنزعة ، الى عنوان خاطىء ! ، فالطبقات التى تحكم هذا البلد ، وبطانتها التى تتحكم فى مقدراته ومصائره ، انفصلت عن الناس وانسلخت عنهم . تناسوا جذورهم بعد أن ضحكت لهم الدنيا وتبهللت ، فهجروا "عشة النَىِّ الأخضر" الى القصور ، واستبدلوا "البتاو" ب "الساليزون والباتيبان" ، و"العسلية ونبوت الغفير" ب "المادلين تورفلى والشوكوبوليجي" ، و"تورة الجميز" بطبق الفراولة "أرنو" ، و"الجلابية الدمور" بمنتجات "جورجيو أرمنى" ، و"السروال أبو دكة" ب "البنتكور" ، و"الصرمة والمداس" بأحذية "موريسكى وسالفاتور فيرجامو" ، أعزكم الله ، ! ثم تطمعون أن يشعرون بكم ؟!!!! كنت أتمنى أن يصمت معالى المتحدث الرسمى ، أو أن يتحدث شارحاً للحقيقة ومفنداً للأسباب المنطقية التى أدت الى ذلك الأرتفاع الجنونى فى الأسعار عموماً ، بدايةً من "الحرنكش" والسمك "الشِرّْ" وحتى اللحوم ، موضحاً ماذا أعدت حكومته أو على الأقل ما تنصح به لمواجهته ، وذلك بدلاً من السخرية والاستهزاء والتعالى على خلق الله ، فالحكومة التى تعجز عن ضبط أسعار الباذنجان هى حكومة "خيبة وبتنجان" يجب أن تحمل عصاها وترحل الى حيث ألقت غير مأسوف عليها ، وهو ما فعلته احدى حكومات "زمبوزيا" بعد أن فشلت فى توفير "بتنجانة ألايط" لكل مواطن ! . ضمير مستتر: أصالةُ الرأي صانتْنِي عن الخَطَل وحِليةُ الفضلِ زانتني لدَى العَطَلِ مجدي أخيراً ومجدِي أوّلاً شَرَعٌ والشمسُ رأْدَ الضُحَى كالشمسِ في الطَفَلِ ويا خبيراً على الإسرار مطلعاً اصمتْ ففي الصمت منجاةٌ من الزلل (الطغرائى) [email protected]