بالطبع لا أحد يعترض على الزواج الشرعي سواء كان مستقرا أو سريعا ينتهي بالطلاق. لم يكن الهدف من مقال الأمس هو رفض تعدد زيجات هشام طلعت مصطفى أو أي رجل أعمال آخر، فهو أو غيره حر في حياته الخاصة. نحن نتحدث عن ارتباطات مؤقتة بنساء في دائرة الضوء، يجنين بسببها ملايين أوراق البنكنوت تحت مظلة ورقة المأذون أو ورقة عرفية، وهذا ما نريد أن نقوله وما يجب أن نكشفه، فالكثير من الحياة الخاصة لمن في أيديهم مصير الدولة وأموالها وثرواتها لا تهمهم وحدهم ولا يجوز الابتعاد عنها تحت مظنة أنه لا يجوز لغيرهم التدخل فيها. هم يشبعون شهوة الارتباط بشهيرات ونحن ندفع لهم التكلفة الباهظة بطريق غير مباشر. ففي كتاب "فيلم مصري طويل" للإعلامي الدكتور ياسر ثابت نماذج كثيرة تصيبنا بأوجاع القلب على حال هذا البلد. في قضية إنحرافات شركة النصر للمسبوكات أثيرت بشدة العلاقة التي ربطت رئيس مجلس إدارتها الراحل الدكتور أسامة عبدالوهاب وسكرتيرته رتيبة الحفني التي قفزت بسرعة الصاروخ من سكرتيرة تحمل مؤهلا متوسطا إلى نائبة رئيس مجلس الإدارة وحصولها عن طريق رئيسها على بكالوريوس معهد التعاون. ومن راتب شهري 550 جنيها لا غير إلى حوافز ومكافآت شهرية تبلغ 179 ألف جنيه، ومن السكن في حي الوراق بامبابة إلى حي المهندسين خلال فترة قصيرة، ورحلات "شوبنج" خارجية مع رئيسها. سافرت من امبابة – مع احترامنا لهذا الحي الشعبي – إلى أوروبا. كانت تفطر في الشانزليزيه وتتناول غداءها في أكسفورد ستريت وعشاءها في روما. نجحت وبانقلاب أبيض غير معلن أن تكون النموذج المساوي لرئيس مجلس الإدارة. وفي شهر سبتمبر 2005 في جلسات إعادة محاكمة عبدالوهاب أمام محكمة الجيزة فوجئ بها الجميع تعلن إنها الزوجة الثانية له، وتطلب إدخالها خصما في مواجهة نيابة الأموال العامة، مطالبة باقتسام تركته مع باقي الورثة. كان عبدالوهاب متهما بإهدار مليار و400 ألف جنيه، وإنفاق مكافآت بخلاف النثريات بقيمة مليون و39 ألف جنيه. وبعد وفاته تنازعت هذه السيدة وزوجته العلنية ودول عدة بينها مصر وسويسرا على الفوز بأمواله. زواج المال أو السلطة بالشهيرات ليس زواجا عاديا وليس حياة خاصة لا يجوز الاقتراب منها، فهي تؤثر على شعب بأكمله، وعلى سلامة إقتصاد الدولة وسياساتها الداخلية والخارجية. إنه الجزء الأخطر في الفساد أو الدافع إليه في بعض الحالات. عندما عُين جمال سالم عضو مجلس قيادة الثورة رئيسا للجنة المصادرة ذهب إلى ملكة مصر السابقة فريدة، وبدلا من أن يسألها عن أملاكها وأموالها، طلب يدها للزواج فثارت ثورة عارمة وطردته من البيت، وبعدها توالت النكبات عليها. المشير عبدالحكيم عامر تزوج من برلنتي عبدالحميد، ومدير مكتبه علي شفيق تزوج من المطربة مها صبري، كما تزوج سكرتيره وحارسه الشخصي عبدالمنعم أبو زيد من الممثلة سهير فخري صديقة برلنتي، وعن ذلك الزواج وجدت في مستندات الصرف بمكتب المشير بعد انتحاره فواتير علاج نفسي باسم طليقها السيناريست محمد كامل حسن المحامي. ومن خلال التحقيقات تبين أن "أبو زيد" عندما رآها وبهره جمالها الفائق طلبها للزواج فأخبرته أنها متزوجة من محمد كامل حسن، فطلبه على الفور وأمره أن يطلقها وعندما رفض ألقى القبض عليه وأودعه مصحة الأمراض العقلية وأجبر زوجته سهير على رفع دعوى قضائية لطلب الطلاق وهذا ما حدث بالفعل، ثم تزوج منها! كلها زيجات شرعية وحياة خاصة، جعلت مصر كلها تستيقظ على هزيمة مريرة في عام 1967. ورغم الكارثة وثبوت الواقعة لم يرتعد نظام عبدالناصر ولم يتب إلى خالقه عن فعلة شنيعة كهذه، بدليل أن كامل حسن بقي حبيسا مصحة الأمراض العقلية قبل أن يخرج في عام 1969 مطرودا إلى لبنان. كان هذا في زمن زواج السلطة من الشهوة. الآن يجري الكثير في ظل زواج المال من الشهوة. رجال أعمال يلقون كل مساء بفحولتهم إلى الهاوية تحت مظلة ورقة مأذون أو ورقة عرفية يرتبطون بفنانات وسيدات مجتمع بغض النظر عن مسمى هذا الارتباط وشكله، فانتقل ما كان يقوم به بعض رجال الدولة إلى فريق من رجال الأعمال. تضافر فائض المال والرغبة في اقتناء الشهيرات والتباهي بهن مع تطلع بعض الفنانات إلى الثراء والنفوذ وتحقيق الأحلام الشخصية والفنية، لتنشأ شبكة مصالح بين نساء جميلات ينبضن بحياة لا تتحملها أسلاك أعصاب عدد من رجال الأعمال. نساء يبحثن عن الثروة ووضع إجتماعي مميز، ورجال أعمال يبحثون عن الشهرة ويلهثون وراء المتعة ويتطلعون إلى الوجاهة الإجتماعية. والثمن يدفعه الفقراء من دم القلب وحبات العرق ووجع الجسد الجائع الخاوي. هذا هو بيت القصيد كله.. وليس هجوما على زواج شرعي أو اقتحام للحياة الخاصة. شكرا للإعلامي الدكتور ياسر ثابت على هذه السباحة في تاريخ وطننا الذي تتكرر كوارثنا عبره، صور طبق الأصل، دون أن نتعلم منها درسا واحدا. [email protected]