الأضحية هي سنة نبي الله إبراهيم وشرع نبينا محمد عليه وعلى إبراهيم أفضل صلاة وتسليم , شرعها الله عز وجل إكراماً لنبيه إبراهيم عندما ضحّى بعاطفته تجاه ولده إسماعيل عليه السلام تلبيةً لنداء الله "إني أرى في المنام أني أذبحك" ، وإعلاءً لمحبة الله وأوامره على كل المحبوبات ولو كانت فلذة الكبد ونور العين وروح الفؤاد. فأعلى الله ذكره وأحيا له ولده وفداه بذبحٍ عظيم ،فكأنما كانت هذه الأضحية من أجل الحياة ورفعة الشأن وتحصيل السعادة . وكذلك الحال لحجاج بيت الله عندما يهدون ولغيرهم من المسلمين عندما يضحُّون فهم يقدمون ذبائحهم التي إشتروها بمالهم الذي هو عصب حياتهم وقوام أمرهم طائعين راضين إستجابة لأمر الله القائل "لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم" . فهم يبذلون أموالهم ودماء أضحياتهم كما لو كانت دماؤهم راجين تقوى الله ومرضاته وهداه والتي هي غاية الحياة ، وتلك هي فلسفة الأضحية البذل من أجل الحياة .
وعلى صعيد المجتمعات تكون هذه الحقيقة واقعة عندما يعاقب الشرع حداً أو تعزيراً بالقتل أو الإعدام أو غيره من العقوبات مَن قتل أو روّع بالسلاح أو اغتصب أو سعى في الأرض ليفسد فيها , فيضحِّى المجتمع ببعض الخارجين على نظامه ليعيش الآخرون وينعمون بالأمن والسلام " ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون"، وكذلك البدن حينما يعتلُّ عضو منه ويبقى وجوده خطرأ على سائر البدن فيُضحَّى بهذا العضو إحياءً لسائر البدن .
وعلى صعيد التميز والنجاح الشخصي ، يضحي المرء براحته من أجل كسب قوته وإقامة حياته وكذلك الناجحون والمتميزون والعلماء ما وصلوا إلا بتضحياتهم ، ضحوا بساعات النوم وراحة الأبدان وبالنفس والنفيس حتى سادوا وقادوا , وهذه طريقهم لمن أرادها ،طريق التضحية بمحبوب النفس من راحة واسترخاء وفراغ وتلفاز ولعب ولهو ، طريق العمل واستغلال الوقت وتطوير الذات والقدرات وقبلها تقوى الله وسؤاله المدد والسداد ،بذلك تميزت حياتهم وارتفع إسمهم وعلا قدرهم . فبمقدار تضحياتك اليوم ستكون حياتك غدا وبدون تلك التضحيات ستظل تراوح مكانك وتدور في دائرة مألوفاتك . فلابد من تغيير المدخلات والمقدمات إذا أردت تغيير النتائج والمخرجات .
وعلى الصعيد السياسي وما نحياه من أزمة وتفكك ، فلن يكون حل إلا بالتضحية لنَهَب لهذا الوطن الحياة الحقيقية ، فتضحٍّي (الجماعة) بشيئ من كبريائها وتعلم أنها جماعة وفصيل داخل الدولة وليست هي الدولة فتتنازل عن بعض مطالبها وتمارس السياسة والواقعية لإنجاز المصالحة وتستمد من تاريخها الطويل وتجاربها السابقة ومعاناتها الماضية رأياً تصلح به حالها وحال الوطن وهو الأهم بعيداً عن أي نوع من الإنتحار الذي يخسر فيه الجميع وكذلك السلطة المؤقتة تضحي بشيئ من تسلطها وعنفها وتتبنى الحل السياسي للأزمة وتبادرإلى المصالحة بين أبناء الوطن ، فالدولة هي السلطة وهي مظلة الجميع وهي الراعي الذي يجب أن يسعى لحقن الدماء وإحتضان الجميع فتبادر بتشكيل لجان تقصي وتحقيق نزيهة لحوادث فض الإعتصامات وما سبقها وإعلان نتائجها و حل مشكلة المعتقلين والمحتجزين . فالحل الأمني ليس هو الحل قد يكون حلا لبعض الوقت ولكنه غير ناجع مع طول الوقت فالجماعة ومؤيدوها هم مواطنون مصريون وأصحاب فكر ورأي إتفق معه البعض أو إختلف معه آخرون . فهل الجميع مستعدون لبذل التضحيات ؟ أيها المصريون الشرفاء العاقلون .. ضحوا .......من أجل الحياة ضحوا..... من أجل النهوض والرفعة ضحوا ........تقبل الله ضحاياكم