يمر العالم الإسلامي بمنعطف خطير لم يشهد له نظيرا ولا شبيها ولا مثيلا، عبر تاريخه المديد.. بسبب البعد عن المنهج الرباني الخالد الذي أنزله الله لتنظيم شؤون الناس في الدنيا والآخرة، فتكالبت علينا الدنيا، وكدنا أن نكون غثاء كغثاء السيل، وانقلبت الأحوال، فصار الصغير كبيرا، والحقير عظيما، واستنوق الجمل، واستأسد الحمل..!! وفي خضم هذه التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية، يأتي شعاع من نور وسط هذا الزخم ليضيئ للمسلمين طريق الأمل، وهذا ما حدث بالأمس القريب حينما أعلنت دولة كوسوفا استقلالها بدعم من الولاياتالمتحدةالأمريكية، وكأنها تريد أن تغازل العرب والمسلمين بهذه المساندة بعد أن تشوهت صورتها أيما تشويه بعد غزوها أفغانستان والعراق.. وما حدث منها في سجن "أبو غريب" ومعتقل "جوانتانامو". إن استقلال كوسوفا المسلمة يمثل علامة فارقة في تاريخ هذه الدولة التي ذاقت آلام الحروب والصراعات والقتل والتدمير والتشريد بسبب العنصرية المقيتة.. ويأتي استقلالها تتويجا للجهود التي قام بها المخلصون من أبنائها، وبمساندة بعض القوى الكبرى في العالم.. ويأتي هذا الاستقلال ليفتح باب الأمل أمام أهلها في عيش رغيد وفي مستقبل ينعمون فيه بالأمن والاستقرار والرخاء والتنمية.. ومن هنا وانطلاقا من الأخوة الإسلامية فإننا نبارك وبشدة هذه الخطوة المباركة لهذه الدولة الوليدة التي ندعو الله لها أن تصير من الدول الكبرى في المستقبل.. وندعو العقلاء والمنصفين في العالم كله لدعمها ومساندتها.. ونشكر بكل التقدير للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدةوأفغانستان واليمن والبحرين، وغيرها من الدول الأوروبية وغيرها التي بادرت بالاعتراف بها.. حيث إن الاستقلال أيدته 52 دولة واعترفت بكوسوفو كدولة مستقلة ولكي تصبح عضوا في الأممالمتحدة يجب أن تحصل على اعتراف 97 دولة. وندعو بقية الدول الإسلامية إلى المبادرة بالاعتراف بها لكي تنهض وتشعر أنها جزءا من الجسد الإسلامي الكبير، انطلاقا من مبادئ الأخوة الإسلامية. فعن النعمان بن بشير (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى شيئا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) (رواه البخاري ومسلم). ولابد أن نبني علاقات دبلوماسية وسياسية واقتصادية وثقافية وإعلامية معها.. لاسيما وهي تمتلك مقومات الاستقلال؛ إذ تتمتع بخبرات وكوادر في مختلف المجالات والتخصصات، وبمقدورهم أن يقوموا بإدارة البلاد إدارة حكيمة تتناسب مع واقعهم ومطالب المجتمع الدولي.. وكوسوفا تتميز بموقع استراتيجي متميز، حيث تقع في الأطراف المركزية لشبه جزيرة البلقان في الجنوب الشرقي لأوروبا، وحدودها مع ألبانيا والجبل الأسود ومقدونيا وصربيا، وعاصمتها: " بريشتينا" Prishtina، وعدد سكانها الحالي مليونان ونصف مليون نسمة، ولغتها القومية: الألبانية، ويمثل المسلمون فيها أكثر من 95%، ويشكل الألبان نسبة 93 % من السكان، و 7 % من قوميات أخرى (الصرب، الأتراك، البوشناق، الرومان، الآشكالي.. إلخ) ، وأجهزة الدولة تتكون من البرلمان ويمثل الشعب والتشريع، والحكومة وتمثل القوة التنفيذية والقضائية والقانونية .. ورئيسها السيد فاتمير سيديئو، ورئيس الوزراء هاشم ثاتشي، ورئيس برلمانها يعقوب كراسنيتش وهو الذي أعلن استقلال كوسوفا بتاريخ 17 / 2 / 2008 م إن استقلال كوسوفا في السابع عشر من فبراير 2008م، يأتي تتويجا لكفاح هذا الشعب الذي قاسى كثيرا من ويلات الحروب. ولقد أضحى بمقدور هذا البلد الوليد أن يمارس دوراً مهماً في حفظ الأمن والاستقرار في هذا الإقليم، حيث يمتلك قوة اقتصادية، ولديه العديد من المؤسسات الاقتصادية والتجارية مما يجعلها دولة ذات اعتبارات خاصة للمجتمع الدولي. ومن المعاني النبيلة التي يجدر بنا الوقوف أمامها بإكبار أنه بالرغم من الفرحة الغامرة التي يعيشها الكوسوفيون بالاستقلال، إلا أنهم لم ينسوا شهداءهم الذين ضحوا بدمائهم الزكية وأنفسهم، في سبيل الوصول إلى هذه الغاية الكبيرة.. فلنردد جميعا ما قاله أبو القاسم الشابي: إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر فهنيئا لهذا الشعب الصامد الشجاع الذي ضحى بأغلى ما يملك في سبيل ترابه الطاهر.. آخر الكلام: رسالة مفتوحة أتوجه بها إلى حكامنا المسلمين، وأقول لهم: اتقوا الله ولا تتخوفوا من الاعتراف بهذه الدولة المسلمة المظلومة حتى تنال حقوقها، فلقد اعترف بها قبلكم غيرُ المسلمين.. اعترفوا ولا تخذلوهم حتى لا تكون صورتنا أمام الله وأمام رسول الله مخزية، بسبب تخاذلنا عن نصرتهم.. اعترفوا ولا تتقاعسوا؛ لأنه لو كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بيننا لخاصمنا واشتكانا للخالق الجبار على مواقفنا المخزية.. المدير التنفيذي لرابطة الجامعات الإسلامية [email protected]