المحنة التي تعانيها المواطنة الأسيرة في بلدها كاميليا شحاتة لا يكاد يجد المتابع لها نظيراً في أي مكان آخر في العالم؛ فالمسكينة قد وضعت تحت مطرقة الداخل الباغي وسندان الخارج الصامت، فلا هؤلاء تركوها ولا أولئك نصروها. وطبيعة مصر كبلد وضعها التاريخ والجغرافيا والسياسة والثقافة تحت نظر العالم وبصره كان يفترض أن تفتح شهية الإعلام العالمي والإقليمي ومنظمات حقوقية ومؤسسات دولية لفتح ملف الأسيرة المصرية كاميليا شحاتة، والأسباب التي كان من المنطقي أن تدفع الجميع للحديث عنها من كونها "امرأة" و"وقعت تحت قهر العدوان الذكوري" من "زوجها" وغيره الذي يرغمها قسراً على العودة إلى "مؤسسة الأسرة" ، و"أجبرت على تغيير معتقدها بالقوة"، ووقوع هذا الإجبار من قبل "رجال دين" يمثلون "سلطة ثيوقراطية قاهرة"، إضافة إلى جملة من الأسباب الأخرى ترتبط بالتنافس العربي الإعلامي، ودأب فضائيات عربية تحمل مشروعاً إقليمياً مناهضاً لدور مصر على انتقادها في مجالات اجتماعية واقتصادية وسياسية وحقوقية بكثير من الحق وقليل من الباطل، ووقوع الاعتداء السافر على المسكينة ضمن دائرة اهتمام منظمات حقوقية كهيومان رايتس ووتش الأمريكية، التي كان آخر تقاريرها عن مصر فيما يتعلق بحقوق الإنسان وفقاً لموقعها الإلكتروني يتناول حق البهائيين في وضع اسم ملتهم في بطاقات الهوية بدلاً من "أخرى"، أو إزالتها بالكلية، والعديد من المنظمات المناظرة في أوروبا سواء التابعة للاتحاد الأوروبي أو لا، إضافة إلى أن القوى الدولية كان لديها من الحوافز ما يجعلها تضغط بدورها وأبت، الاتحاد الأوروبي ذاته مثلاً لا يتحرك، وأمس تحديداً دعت الحكومة الفرنسية إلى تحرك دبلوماسي أوروبي مشترك لوقف تنفيذ حكم الإعدام بالرجم على الإيرانية (المتزوجة) سكينة محمد أشتياني، المتهمة بارتكاب الفاحشة والمشاركة في جريمة قتل، واضعة هذا الملف على قدم المساواة مع ملف تخصيب اليورانيوم الذي تزعم العواصمالغربية أنها تضغط على طهران بشأنه، وكان منطقياً (نظرياً فقط بالطبع) أن يصدر الاتحاد الأوروبي بياناً ولو هزلياً ... هذه الأسباب المنطقية لتحرك الجميع توافرت لكن ذلك كله لم يحدث!! لا الفضائيات بكافة أطيافها وتنوعاتها تحدثت عن الأسيرة، ولا قوى دولية لا نتمنى أبداً تحركها لأنه لن يكون إيجابياً على كل حال، لكننا نرصد نفاقها فحسب في الدفاع عن قاتلة وخذلان مؤمنة مسالمة، ولا المنظمات الآثمة تذكرتها، ، ولا أتحدث هنا عن الداخل فثمة من أجاد وأفاد قبلي في ذلك من جهة، ومن أخرى، لأن تلك المنظمات التي أحسن من أسماها ب"أكشاك حقوق الإنسان" المصرية ليست إلا رجع صدى لما يجري بالخارج وليست معنية إلا بتنفيذ دورها الخسيس، والتي تمارس وهي الحقوقية تمييزاً دينياً وطائفياً وسياسياً لا تخطئه عين مواطن بسيط. من يا تُرى أوعز لكل هؤلاء أن يصمتوا مرة واحدة؟! إن قضية كاميليا أوضح من الشمس ليست بحاجة إلى تدقيق أو تمحيص أو التحاف بمهنية أو قلة أهمية أو حرص على الوحدة، إنها جريمة متكاملة الأركان، اعترف الجناة فيها ب"الاحتجاز" و"غسيل المخ" (بالمناسبة أشكر القس جزيلاً الذي تحدث عن غسيل دماغها المغسول لأنه أقر بأنها تعرضت لغسيل مخ ابتداءً طهرها مما كانت عليه)، وهو ما يعني الاختطاف والإرغام على ترك المعتقد بالقوة، بخلاف تعريض حياتها للخطر عن طريق إجبارها على تعاطي أدوية والتعرض لجلسات علاجية ليست في حاجة إليها ومضرة بصحتها بما يمثل انتهاكاً صارخاً لآدميتها وتعريضها للتعذيب الشديد. إنها كما تقدم جريمة متكاملة الأركان، وثابتة بالاعتراف، بخلاف قضية الشاب خالد سعيد مثلاً، التي ما زالت السلطات تقدم رواية مختلفة تماماً تبرئها سواء أصدقها الناس أم لم يصدقوها، فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً؟! والحصار الإعلامي العالمي لا مبرر وراءه إلا حرص الجميع على لملمة هذا الملف وتركه يذهب أدراج النسيان والتجاهل حتى ينزوي، وتطفو عليه موضوعات أخرى سواء أجاءت على نحو متعمد أم وفرتها الهشاشة والرعونة التي تحكم الحالة المصرية الآن، ونظيره الحقوقي لا تفسير له إلا انتقائية هذه المنظمات والهيئات التي كانت ستتخذ موقفاً مغايراً تماماً لو أن العكس هو الذي حصل لمسلمة تركت دينها، وكلاهما يؤكد الرغبة في رسم خريطة أخرى لمصر ليست "العملية كاميليا" إلا عنواناً لها، وتمهيداً واضحاً لما يتفرع عنها مستقبلاً. وإذ وصلت المنظمات الدولية بلاغات ورسائل تلفت نظرها للمأساة؛ فلا مجال إذن للحديث عن ميثاق عالمي لحقوق إنسان ليس سوى مطية للاحتلال وأداة ضاغطة لا تستخدم إلا في الوقت المناسب، ولابد من النظر بعين ثاقبة لتلك المنظمات والفضائيات التي لن تكون أبداً سنداً لأي مظلوم، لأنها هنا أيضاً قد انكشفت كما طراطير الداخل سواء بسواء.. [email protected]