قانون العمل.. حالات يحق فيها للمرأة إنهاء عقد العمل    وكيل تعليم الجيزة يتفقد مدارس أوسيم ومنشأة القناطر ويشيد بالانضباط    عازر تؤكد على أهمية الاعتراف بالعنف السيبراني كقضية مجتمعية    محافظ الدقهلية يكرم 50 عاملًا في احتفالية عيد العمال    «الإحصاء»: 160 ألف طن لحوم مستهلكة في مصر عام 2024    ارتفاع سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الإثنين 5 مايو 2025    تفعيل اتفاقية التعاون بين جامعتي عين شمس واسكس البريطانية في المجال القانوني    «المركزي» يطرح سندات خزانة ب3 مليارات جنيه    "بن غفير": لا مساعدات لغزة قبل إطلاق سراح المحتجزين    الرئاسة الروسية: سننظر إلى أفعال المستشار الألماني الجديد    انطلاق مباراة بتروجت وسيراميكا في الدوري    قبل مواجهة الأهلي.. بوسكيتس: لسنا في مستوى يؤهلنا للمنافسة بمونديال الأندية    محترفو الفراعنة × أسبوع| خسارة كبيرة لصلاح.. فوز صعب لمرموش.. وهزيمة مصطفى محمد    حقيقة تعثر مفاوضات الزمالك مع كريم البركاوي (خاص)    مع نهائي كأس أمير قطر.. قرعة كأس العرب يوم 24 مايو    السجن 10 سنوات لمتهمين بالتعدي على شاب ب«الشوم» في قنا    حار نهارًا على أغلب الأنحاء.. الأرصاد تكشف حالة الطقس غدًا    بسبب سرقة لحن.. تأجيل محاكمة مطربي المهرجانات مسلم ونور التوت وآخرين    لمواعدة مثالية مع شريكك.. هذه الأبراج تفضل الأماكن الهادئة    بعد جنازته بمصر.. كارول سماحة تقيم عزاء زوجها في لبنان الخميس    وفاة الفنان نعيم عيسى بعد صراع مع المرض    مستشفى قنا العام تنجح في تنفيذ قسطرة مخية لمسنة    رئيسة البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية: اقتصاد مصر سريع النمو وندعم برنامج الحكومة للإصلاح    لمدة 20 يوما.. علق كلي لمنزل كوبرى الأباجية إتجاه صلاح سالم بالقاهرة    إعلام إسرائيلي: الحكومة تقرر عدم تشكيل لجنة تحقيق في أحداث 7 أكتوبر    «التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي» يشارك في معرض أبو ظبي للكتاب    صلاح سليمان: مؤمن سليمان الأجدر لقيادة الزمالك    الشارقة القرائي للطفل يشهد تكريم الفائزين في مسابقة فارس الشعر 2025    مستقبل الذكاء الاصطناعي ضمن مناقشات قصور الثقافة بالغربية    شام الذهبي: الغُناء بالنسبة لي طاقة وليس احتراف أو توجه مهني    رئيس الاتحاد الدولي للترايثلون: مصر تستحق تنظيم دورة الألعاب الأولمبية    محافظ الجيزة يوجه بصيانة مصعد فرع التأمين الصحي ب6 أكتوبر    الإغاثة الطبية بغزة: وفاة 57 طفلا نتيجة سوء التغذية والجوع فى القطاع    محافظ المنوفية يلتقى وفد الهيئة العامة لاختبارات القطن    بعد قضية ياسين.. إحالة أربعيني للمحاكمة الجنائية لاتهامه بهتك عرض صغيرة بكفر الشيخ    العملات المشفرة تتراجع.. و"بيتكوين" تحت مستوى 95 ألف دولار    ترامب يرسل منظومتي باتريوت لأوكرانيا.. ونيويورك تايمز: أحدهما من إسرائيل    رئيس الوزراء يتابع خطوات تيسير إجراءات دخول السائحين بالمطارات والمنافذ المختلفة    إحالة المتهم بالتعدى على الطفلة مريم بشبين القناطر للجنايات    الهند تحبط مخططا إرهابيا بإقليم جامو وكشمير    وزارة الصحة تعلن نجاح جراحة دقيقة لإزالة ورم من فك مريضة بمستشفى زايد التخصصي    قطاع الرعاية الأساسية يتابع جودة الخدمات الصحية بوحدات طب الأسرة فى أسوان    "وُلدتا سويا وماتتا معا".. مصرع طفلتين شقيقتين وقع عليهما جدار في قنا    الدكتور أحمد الرخ: الحج استدعاء إلهي ورحلة قلبية إلى بيت الله    لا يسري على هذه الفئات| قرار جمهوري بإصدار قانون العمل الجديد -نص كامل    فيديو.. ترامب يكشف عن نيته بناء قاعة رقص عالمية في البيت الأبيض    شيخ الأزهر يستقبل والدة الطالب الأزهري محمد أحمد حسن    جوري بكر في بلاغها ضد طليقها: "نشب بيننا خلاف على مصروفات ابننا"    هيئة الرعاية الصحية: نهتم بمرضى الأورام ونمنحهم أحدث البروتوكولات العلاجية    الكرملين: بوتين لا يخطط لزيارة الشرق الأوسط في منتصف مايو    في موسمه ال13.. جامعة بنها تحقق مراكز متقدمة في مهرجان «إبداع» (صور)    جامعة مايو تفتح ندوتها "الانتماء وقيم المواطنة" بكلمة داليا عبد الرحيم.. صور    مقتل شاب على يد آخر في مشاجرة بالتبين    نتنياهو: خطة غزة الجديدة تشمل الانتقال من أسلوب الاقتحامات لاحتلال الأراضى    موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025 .. تعرف عليه    تكرار الحج والعمرة أم التصدق على الفقراء والمحتاجين أولى.. دار الإفتاء توضح    محظورات على النساء تجنبها أثناء الحج.. تعرف عليها    على ماهر يعيد محمد بسام لحراسة سيراميكا أمام بتروجت فى الدورى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



روحانية الحياة المدرسية
نشر في المصريون يوم 20 - 08 - 2010

مقال كتبه الدكتور زكي مبارك رحمه الله ، والذي نُشر منذ حوالي 67 عاما ( نشره في 14 ربيع الآخر سنة 1362ه الموافق 19 إبريل 1943م بمجلة الرسالة عدد 331 ) ، يتحدث فيه عن التعليم والمعلم .
****
روحانية الحياة المدرسية
للدكتور زكي مبارك
مهنة التعليم توحي إلى النفس طمأنينة لا توحيها أية مهنة ، لأن التعليم يقوم على أساس من شرف الغرض لا يعادله أي أساس . والإحصائيات تُثبت أن المعلمين أقل الناس تعرُّضًا للآفات النفسية ، بسبب تلك الطمأنينة الروحية ... وبرغم كثرة التشكي من الغبن الذي يُلاحق مهنة التعليم فإن حال المعلمين في مصر من أحسن الأحوال ، فأكثرهم بحمد الله صاروا من المياسير ، ولعلهم الطائفة الوحيدة التي أعفاها الله من التعطل في هذا الزمان .
والمتأمل يلاحظ أن الله يبارك في أعمار المعلمين وفي أرزاقهم بقدر ما يضمرون من الإخلاص ، وبقدر ما يُقاسون من العناء ؛ لأنها مهنة لا يستريح فيها غير من يرحب بالشقاء ، إن جاز أن يكون مع الإخلاص في هذه المهنة شقاء .
* * *
والآفة التي تكدر حيوات المعلمين هي آفة الأسلوب القديم في الترقيات ؛ فترقية المدرس بمدرسة ابتدائية هي نقله إلى مدرسة ثانوية ، وترقية المدرس بمدرسة ثانوية هي نقلة إلى مدرسة عالية أو نقلة إلى التفتيش .
وكنت أرجو أن يكون الأمر بالعكس . كنت أرجو أن تكون المدرسة الابتدائية هي المكان المختار لأكابر المدرسين ، ليستطيعوا خلق الروحانية في الحياة المدرسية ، وليكون ذلك شاهدًا على الإيمان بقدسية التعليم .
المبتدئ هو الذي يحتاج إلى المدرس الكبير العقل والروح ، المدرس الذي صَقَلَتْهُ التجارب وراضته على فهم الغرائز والنفوس .
والتلاميذ في المدارسة الابتدائية يحتاجون إلى رياضة روحية يقوم بها مدرسون روحيون ، وهم الذين صاروا في حكم الآباء ، ليكون انتقال التلميذ من البيت إلى المدرسة انتقالاً من رعاية أبوية إلى رعاية روحية .
والحق أن المدرسة الابتدائية هي الأساس ، فإن استطعنا أن نخلق في تلاميذها الشوق إلى الحياة العلمية فسيقل خوفنا عليهم حين يتجولون إلى المدارس الثانوية .
والحق أيضًا أن العُرف الذي قضى بأن يكون المدرس في الثانويات أعلى من المدرس في الابتدائيات قد زعزع قدسية التدريس .
يضاف إلى هذا أننا أوجبنا أن تتأثر الترقيات بتلك الاعتبارات ؛ فالمدرس في الثانوي مرتبه أكبر من المدرس في الابتدائي ، وكان ذلك لأن المدرس يبدأ عمله في المدارس الابتدائية ، ثم يتحول إلى المدارس الثانوية بعد أعوام قصار أو طوال .
وليس عندي من الاقتراحات ما يصلح لتغيير هذا المنهاج ، فقد فكرت كثيرًا في حل هذه المشكلة ، ولكن لم أصل إلى شيء ، فهل أستطيع القول بتحويل بعض مدرسي التعليم الثانوي إلى التعليم الابتدائي ؟
وهل أستطيع القول برد جماعة من المفتشين إلى التدريس طائعين لا كارهين ؟
إن مهنتنا لن ترتفع إلا إذا رحب بها كبراؤنا ، ولو دعوناهم إلى التعليم بالمدارس الأولية ، وهي النواة الأصيلة للتعليم والتثقيف .
الطفل في مدارسنا يتيم ، لأننا نبخل عليه بأكابر المدرسين . قلت مثل هذا الكلام منذ أعوام في ( مجلة الرسالة ) فسخر منه سعادة الأستاذ عوض بك إبراهيم ، وأشار إلى أحد مريدية أن يكتب كلمة في جريدة الدستور يقول فيها : إن وزارة المعارف عملت باقتراحي فعينتني رئيسًا للمدرسة الأولية بقصر الشوق !
وأين من يعرف أنى أعتقد أن الذي فاتني في الحياة التعليمية هو أن أكون رئيسًا لمدرسة أولية ؟
لو سمحت الظروف بأن أكون مربيًا لمئة طفل لرجوت أن أخلق منهم أشبالاً يكونون في طليعة الجيل الجديد .
ما هذا التعالي الذي لا يليق بمهنتنا العالية ؟
المدرس جنديٌّ أمين ، والجنديُّ الأمين لا يقف إلا في مظان الحُتُوف ... وتعليم الأطفال مَتعبَة لا يضطلع بها غير كبار الرجال .
المهم هو النص على تنزيه مهنتنا من الظواهر الخوادع ، فلا يكون فيها فاضل ولا مفضول إلا بمقدار التفاوت في الإخلاص .
المعلم في المدرسة الأولية يستطيع مساماة الأستاذ بالجامعة إن صدق من الوجهة المعنوية . وهو لصدقه سينسى فروق الرواتب ، لأن أساتذة الجامعة لا يصلون إلى مناصبهم إلا بعد جهود لا يستطيعها غير أفراد ، فمن حقهم أن يمتازوا برواتب تعينهم على متابعة ما يجد من التراجم والتآليف ، وعلى مسايرة حيوات العلوم والآداب والفنون .
المعلم في مدرسة أولية يقيم بيته وهو في صباه ، أما الأستاذ بالجامعة فلا يقيم بيته إلا بعد أن يكتهل ، فعلينا أن نعترف بأن من واجب الدولة أن تراعى حقه في الجهود التي بذلها من شبابه ومن أمواله ليصلح للحياة الجامعية .
وخلاصة القول : أنى أرى روحانية المدرسة تتبع روحانية المدرس ، وأرى أن نلتفت إلى المدارس الابتدائية بأكثر مما نصنع ، كأن نختصها بأكابر المدرسين ، وكأن نغيّر النظرة المألوفة إلى طبقات المدرسين ، بحيث لا يكون طول الثواء بالمدرسة الابتدائية مانعًا من أن يظفر المدرس بمثل نصيب زميله في المدرسة الثانوية من الدرجات والترقيات .
ويوم يكون من حق المدرس أن يفتخر بأن وزارة المعارف رأت أن يقضى حياته كلها في التعليم الابتدائي لمزايا تعليمية يكون من حقنا أن نطمئن إلى سيادة الروحانية في الحياة المدرسية .
أقول هذا وأنا أعرف أنى أطلب غرضًا لا يتحقق إلا بعد رياضات نفسية تحتاج إلى آماد ؛ فالمدرسون في جميع بقاع الأرض يريدون الفرار من المدارس الأولية والابتدائية ، ولا يرضى الرجل منهم عن حاله إلا إذا صار إلى التعليم الثانوي ثم العالي . وهذه نزعة تأخذ وقودها من هوى النفس ، وليس لها في نظر التعليم سناد .
* * *
أترك هذا وأنتقل إلى مسألة ثانية ، هي صلة التلميذ بالمدرسة ، الصلة التي توجب أن يحبها أصدق الحب ، على نحو ما كان التلاميذ في بعض العهود الماضية .
والواقع أن تلميذ اليوم تجتذبه قُوىً خارجية لم يعرفها التلاميذ من قبل ... وهل ننسى أن المساجد كانت قبل عشرين سنة ملتقى التلاميذ في أوقات المراجعات ؟ فأين نحن من ذلك الحال الجميل ؟
لابد من جهاد لجذب التلميذ إلى المدرسة ، بحيث يحبها حب العقل ، وهو أصدق الحب .
يجب أن نعمل إلى إقناع التلميذ بأن روح المدرسة هو الروح الصديق ، وأن أوقاته في رحابها هي أوقات الصفا .
في كلام القدماء : " فلان علمه أكبر من عقله ، وفلان عقله أكبر من علمه " ، فما معنى ذلك ؟
معناه : أن ملكة الفهم تختلف عن ملكة التحصيل بعض الاختلاف .
وعلى ضوء هذه الفكرة نريد أن نعرف المنهج المختار في سياسة التعليم فنقول :
أيهما أنفع : قراءة كتاب عن خزان أسوان أو زيارة ذلك الخزان ؟
وأيهما أفضل : نظر الخريطة عشرين مرة أو رسمها مرة واحدة ؟
وحفظ مقامات بديع الزمان أنفع ، أم إنشاء مُقَامة على غرار تلك المقامات ؟
ثم أثب إلى الغرض فأحكم بأن إنشاء عشرين سطرًا أنفع في تكوين الذهن من قراءة كتاب ، لأن الإنشاء يوقظ القوى النفسية ، ويروضها على التفكير السديد .
والتعليم الحق هو الذي يقضى بتقوية الملكَات الإبداعية ، هو الذي يخلق عاقلاً لا ناقلاً ، وبين العقل والنقل مراحل طوال .
وليس معنى هذا أن أغض من قيمة الاطلاع ، لا ، ولكن معناه أنى أدعو إلى أن تكون سياسة التعليم قائمة على إعزاز قيمة الفكر عند التلاميذ ، فلا يقرأ أحدهم سطرًا إلا وهو يحاول أن يأتي بأروع منه وأبدع ، ولا يسمع درسًا إلا وفي خاطره أنه مسئول عن التعقيب عليه بالمبتكر الطريف .
ما السبب في أن يكون الجو المدرسي غير محبوب في بعض الأحوال ؟
لو أمكن جذب التلميذ بالعقل إلى جو المدرسة لتمنى أن تكون مأواه إلى آخر الزمان .
ولكن التلميذ يُسأل عن المواظبة الصورية ، ولا يُجذب إلى المواظبة الروحية .
وفي العقوبات المدرسية أن ينسخ التلميذ صفحات من كتاب ، وهذا النوع من العقوبة موجود بالمدرسة الفلانية ، وهو عقوبةٌ حقًّا وصدقًا ، فما يمكن أن يؤذَى التلميذ بأصعب ولا أعنف من أن ينسخ كلامًا هو عن فهمه غير مسئول .
هرب الشيخ محمد عبده من الدرس ورجع إلى الريف فأقام به ثلاث سنين ، لأنه طولب بإعراب البسملة قبل أن يفهم الإعراب .
ومئات التلاميذ يحضرون الدروس بالجسم لا بالروح ، فهم غائبون لأنهم لا يفهمون ، وإن لم تفطن المدارس إلى تقييد ذلك الغياب !
ودروس القواعد دروس غير محبوبة ، لهذا السبب ، أعنى أنها لا تُقَدَّم إلى التلاميذ مع التعليل ، ولو عللت القواعد بذكر مراميها الأصيلة لأحبها التلاميذ ، لأن الحياة موجودة في إضافة لفظ إلى لفظ بغاية من القوة والجاذبية ، ولكن أين من يفكر في التنبيه إلى تلك الحياة ؟
* * *
وخلاصة القول : أن الغاية من التعليم هي إثارة الشوق إلى فهم الوجود ، وتنمية المواهب تنمية تغني التلميذ عن المدرس بعد حين ، وتجعل منه روحًا يتطلع إلى السرائر الكونية ، والحقائق الوجودية ، تطلع المتشوف إلى إدراك ما عاب عن الأسلاف ، ولو كانوا من فطاحل العلماء .
وكمية المعلومات ليست بالغاية العالية ، وإنما الفهم الصحيح هو الغاية ، ولو تعلق بأقل مقدار من المفهومات .
وتصحيح غلطة واحدة في علم من العلوم أدل على قوة الذاتية من استيعاب جميع العلوم .
ونظم خمسة أبيات نظمًا صحيحًا فيه روح الشاعرية يدل على قيمة الفتى بأكثر مما يدل حفظه لجميع الدواوين .
المهم هو إيقاظ روح الفكر عند التلميذ ، بأن نجعل جميع الدروس وسيلة إلى هذه الغاية ، ولن يتم ذلك إلا إذا استطعنا أن نشغل روحه وفكره وعقله بتعقب ما يرى وما يسمع تعقب الشغف والاشتياق .
دخل التلميذ مصطفى كامل على الوزير على مبارك وحاوره بأسلوب غير مقبول ، فقال الوزير للتلميذ : إقرأ هذه اللوحة لأعرف مقدار ذكائك (( وكانت طرة كثيرة التلافيف عجز عن قراءتها التلميذ )) .
قال الوزير : أنت لا تجيد غير الصياح !
فقال التلميذ : هل يتفضل الوزير فيخبرني عن عدد السلالم التي يصعدها كل يوم إلى مكتبه هذا منذ أعوام ؟
فقال الوزير : التحدي تافه ولكنه معقول
والواقع أن التعليم عندنا لا يُثِير التطلع إلى استكشاف المجاهيل ، ولا ينقل خيال التلميذ من أفق إلى آفاق إلا في أندر الأحوال ..
عمل المدرس لا يتجه إلى تقديم الحقائق ، وإنما يتجه إلى إيجاد الحقائق عن طريق التلاميذ . وأريد أن أقول إن المدرس لا يُخبر ولكنه يَستخبر ، إلى أن يعرف من تلاميذه الخبر اليقين ، وكأنه به من الجهلاء .
طريقة التلقين طريقة عقيمة ، وهي لا توقظ عقول التلاميذ وقد ترميهم بالخمود .
والدرس هو الفرصة لتنبيه العقول الغافية ، في الحدود التي تسمح بها براعة المدرس ، والمدرس هو البارع هو الذي يسوس الدرس سياسة تقضى بأن يشعر كل تلميذ بأنه قد يتلقى سؤالاً بعد لحظات .
هل تذكرون الواجبات المدرسية التي يؤديها التلاميذ في البيوت ؟ إنها ثقيلة جدًّا وبغيضة فما السبب فيما تتسم به من الثقل والبغض ؟
يرجع السبب إلى أنها لم تسبق بالتشويق إلى إيجاد الحقائق ويرجع السبب إلى أننا لم نصل إلى خلق الجاذبية المدرسية .
ويرجع السبب إلى أننا لم نفكر جديًا في إبداع شخصية التلميذ .
* * *
وأنا أختم هذه المقالات بتوكيد ما قلته في صدر مقال اليوم وهو أن مهنة التعليم في مصر مهنة سعيدة وأصحابها سعداء .
المدرس المتبرم ليس بمدرس ، لأن التدريس من أقوى موجبات الابتسام .
ولو أردنا شكر الله على أن جعلنا مدرسين لعجزنا عما نريد من الشكران .
للمدرس في كل يوم جهاد ، وهذا مغنم جميل .
إن صحَّت دعوتنا إلى تعميم التعليم فسيكون في مصر ألوف وألوف من المدرسين ؛ فهل تستطيع مالية الدولة أن تستجيب لما يطمح إليه ألوف وألوف ؟
القناعة هي الناتج لمهنتنا السامية ، وغِنى القلوب يستر فقر الجيوب . وهل افتقر منا أحدٌ حتى نتوجع ونتفجع بشبهة من الحق ؟
نحن أغنياء وأغنياء ، فلله الحمد وعليه الثناء .
زكى مبارك


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.