تعودت منذ بداية انتمائي للحركة الإسلامية أن لا أنتقد وضعا أو رأيا أو عملا ما حتى أتواصل مع صاحبه قدر الإمكان إذا كان ذلك مستطاعا، وعلى ذلك وبعد أن قرأت مقال الدكتور إبراهيم الزعفراني على جريدة المصريون حول أراء الدكتور رفيق حبيب - وقد كانت عندي من قبل محل استنكار - ولكني لم أكن أتحدث بها إلى كثير ، وخاصة أن الدكتور رفيق حبيب يمثل أحد حالات الفكر المصري والحركي الإسلامي حتى وإن كان قبطيا ، فقد عرف الفكر الإسلامي الحديث مفكرين إسلاميين قد لا يلتزمون المنهج الإسلامي في أنفسهم أو بيوتهم ، ومع ذلك فهم محل ترحيب وحفاوة كبيرة من الجمهور الإسلامي و علماء المسلمين ، ويعدون في ذلك مفكرين إسلاميين ، وما ذلك لشئ إلا لانطلاقهم من الفهم الكامل للمشروع الإسلامي الحضاري ، وأظن أن الدكتور رفيق حبيب هو أحد هؤلاء ، وهو حالة مصرية أصيلة لا تتكرر كثيرا يجب الحفاوة بها و التعامل معها بدون حساسية أرى أنها ظاهرة في كلام البعض ، وما ذلك لشئ إلا لأنها حالة أصيلة والتعامل معها بحساسية يخرجها عن أصالتها ويفقدنا متعة التعامل معها . هاتفت الدكتور إبراهيم الزعفراني عقب قراءتي للمقال وأخبرني أنه لا يخون ولا يجرح في الدكتور رفيق حبيب فمقالته بعنوان ماذا وراءك يا دكتور رفيق ؟ ، وليست من وراءك يا دكتور رفيق ؟ ، وهو بذلك يبدى دهشته واستغرابه لما يصدر من مفكر كبير مثل الدكتور رفيق حبيب ويدعو إليه من رأى ، وأنه بما كتب يطلب رد من الدكتور رفيق على تلك التساؤلات وهو يعلم أن لدى الدكتور رفيق الكثير . قمت بالاتصال بالدكتور رفيق حبيب بعد محادثتي للدكتور الزعفراني ولم يكن يسبق لي به معرفة من قبل ، و بعد رده عرفته بنفسي ، إسمى ومحل إقامتي ، وأخبرته أنني تحدثت مع الدكتور الزعفراني ، واخبرني أن مقاله تساؤل وفقط ، وهو في إطار الإختلاف المشروع وليس فيه ما ينتقص من قدره الذي كلنا نعرفه ، وأن استغرابه ينبع من أن تصدر مثل هذه الآراء من مفكر كبير ذو قدر أكبر مثل الدكتور رفيق حبيب ، وأنه ينتظر رده على تلك التساؤلات، فقال لي الدكتور رفيق أنه يكتب أرائه بصرف النظر عمن يقتنع بها أو لا يقتنع ، وأن رده الذي ينتظره الزعفراني موجود في باقي حلقات سلسله خواطر باحث قبطي ، ثم قلت له أننا نختلف في بعض الآراء - فقاطعني قائلاً - من أنتم ؟ فأجبته نحن الإخوان !!!!!!! ثم أكملت قائلا إننا إذا اختلفنا حول بعض الآراء الخاصة بعمل الإخوان وطرحت بعض التصورات ، فلا يرد عليها إلا أنت ، ولم يرد عليها أحد غيرك ، بل وتنتقد أصحاب الرأي الآخر ، فقال أنت لم تقرأ مقالاتي فأخبرته بأني أقرأها وأحافظ على قراءة كل ما يكتبه ، فسألنى قائلا زى إيه ؟ - يقصد تنظيره لبعض الآراء - فقلت له مثل موضوع المؤسسية في الجماعة فحضرتك كتبت أن الجماعة ينطبق عليها ما ينطبق على الجمعيات الخيرية المنتشرة في مصر ، فرئيس مجلس الإدارة هو ذاته رئيس الجمعية العمومية ، وأردفت حديثي قائلا : بأن هذا الكلام ينافى أساسا اللوائح الداخلية للإخوان ، لأن مكتب الإرشاد يمثل السلطة التنفيذية حيث تقول اللائحة " مكتب الإرشاد: هو الهيئة الإدارية والقيادة التنفيذية العليا"، ومجلس الشورى يمثل السلطة التشريعية للجماعة فتقول اللائحة نصا "مجلس الشورى هو السلطة التشريعية لجماعة الإخوان في مصر" ولا توجد جمعية في العالم بها سلطة تنفيذية وتشريعية ، كما أن قياس الجمعيات العمومية في الجمعيات على مجلس شورى الإخوان قياس غير صحيح ، لأن الجمعية العمومية تعادل جموع الإخوان ولم يطالب أحد بأن يكون المرشد ليس رئيسا لجموع الإخوان ، ولا توجد جمعية بها مجلس شورى ، كما أن الخلافات في الجمعيات المختلفة يفصل فيها القانون والقضاء وهذا لا يحدث في الإخوان ، و أن مجلس الشورى له دور رقابي على أعمال مكتب الإرشاد، فكيف يكون صاحب الدور الرقابي هو نفسه صاحب الدور التنفيذي ؟ ، وكذلك فإن الانتماء للجمعيات يخضع لاستمارة عضوية تعبئ من قبل الشخص الراغب في الانتماء للجمعية ، أما في الإخوان فإن من يحدد الأطراف المصعدة في الجماعة هم قيادات الشعبة أو المنطقة في الجماعة ، و الجمعيات ليست بها درجات تنظيمية لكنها في جماعة الإخوان ، و القيادة في الجمعيات تؤتى من قبل ترشح العضو بنفسه للانتخابات و هذا ليس في الإخوان ، وبالأصل فإن الإخوان لا يحبون أن يطلق عليهم جمعية ، و قد سبق و أن رفضوا ذلك من قبل . بعد أن ضربت المثال السابق انتظرت برهة من الوقت فلم أجد إجابة عند الدكتور رفيق غير أنه يكتب ولا شأن له بصراعات الإخوان الداخلية ، فأتبعت حديثي بسؤال أخير موجه إلي الدكتور هل حضرتك باحث محايد كما ذكرت في مقالك ؟ أم تعدى دورك دور الباحث المحايد إلى التعضيد و الانتماء إلى أحد الآراء والتنظير والتقعيد لها ، في مقابل الآراء الأخرى ، فإن كانت الأخيرة فهو حقك ونحترم ذلك بل نطلب ونتمنى ، ولكن في هذه الحالة لا مانع من الخلاف معك والانتقاد الشخصي لك بصفتك قد خرجت عن مجال البحث إلى مجال التنظير ، وأردت أن أتابع حديثي حول مقالة الدكتور فقاطعني قائلا أنه – بصراحة مش مستريح لهذه المكالمة - فشكرته ثم ودعته وانتهت المكالمة . وأحببت هنا أن أبدى بعد تحفظاتي على ما كتبه الدكتور رفيق في مقاله على صحيفة المصريون وتناقلته بعض مواقع الإخوان تحت عنوان " مع الحركة الإسلامية.. خواطر باحث قبطي ، ولم أتمكن من الحديث معه فيها ، ولكن قبل ذلك أعبر عن دهشتي الحقيقية من كلمة الدكتور رفيق الأخيرة بأنه لا يستريح إلى محادثتي معه وهو بذلك يشكك في النوايا في الوقت الذي عاب فيه على البعض ما رأى أنه تشكيكا في نواياه فإن كان هو نفسه يتشكك في الآخرين فمن حق الآخرين أن يتشككوا فيه وهو ما لم يحدث وأذكر أنني اتصلت يوما بالمهندس أبو العلا ماضي لمناقشته في بعض تصريحاته ، ولم يكن يسبق لي به معرفة من قبل ، فقال لي : ما رأيك لو استمعت إلى ما عندي ثم أسمع رأيك في النهاية ؟ ، وأظن أن ذلك لابد أن يكون أسلوب كل من يتعرض للشأن العام. أشد ما أثار دهشتي واستنكاري هو نعت الباحث في عنوان المقال بالقبطي وأرى أنه لا سبب لها هنا ، فكيف يحدثنا عن دورنا في محاربة الفرقة الوطنية بين كلمة مسلم وقبطي في المجتمع ثم يعنون بها مقاله ، وما رأيتها إلا استثارة للعواطف في غير محلها ، وقد اعتمد أغلب المقال على مثل هذه الإثارة ، وكان الأولى به أن ينزع عنه صفة القبطي حتى يتسق مع ما دعا إليه في كتابه من يبيع مصر والذي أهداه إلى الدكتور جمال حمدان رحمه الله ، حيث يرى أن المصري المسيحي داخل مواصفات حضارية هي ذاتها الموجودة عند المصري المسلم، والمسلم الباكستاني، والسعودي، أي أن المسيحي جزء من الأمة العربية الإسلامية، وأن قدر التشابه بين المسيحي المصري والمسلم المصري ثقافيا أكبر من التشابه الثقافي بين المسلم المصري والمسلم الباكستاني، ولكنهم كلهم تجمعهم حضارة واحدة، وأن المسيحي المصري يختلف ثقافيا وحضاريا مع المسيحي الأمريكي وإن تشابه معه في العقيدة. تحدث الدكتور رفيق حبيب عن المربع الساخن الذي يقف فيه لأنه باحث وقبطي وقريب من الحركة الإسلامية، يريد رسم صورة موضوعية عن الحركة الإسلامية، بعيدا عن خلافات الحركات الإسلامية ، وبعيدا عن الخلافات داخل الحركة الواحدة، ويريد أن يحافظ على موقع الباحث عن الحقيقة – قد خالف نفسه في المقال الثاني حيث قال أنه لا يمكن أن يكون باحثا وغير منحاز - ، وهو كلام غير واقعي فالدكتور رفيق حبيب كان أحد مؤسسي حزب الوسط ، وهو بذلك كان جزءا من الحركة الإسلامية والذي يمثل جزءا منها حزب الوسط ، فكيف يكون مشاركا فيها وفى نفس الوقت باحثا محايدا أيضا ، وأظن أن ذلك ازدواجية غير معقولة ، كما أن الدكتور رفيق لم يقم بمعرض البحث بعيدا عن الخلافات كما ذكر ، ولكنه يقوم بعرض الرأي والتدليل عليه والانتصار له و الهجوم على أصحاب الرأي الآخر ، وها هو هنا في نفس المقال يقول " فأنت كمن يريد البحث في مناطق مختلف عليها، وفيها من الخلاف أو الصراع ما ليس بقليل، ويريد أن يظل طرفا محايدا، وهو أمر لا تقبله بعض الأطراف، والتي تريد تصفية خلافاتها والانتصار لفكرتها، دون تدخل من أحد، ومن يتدخل حتى وإن كان عن غير قصد، يصبح خصما، عليه أن يدفع ثمن إخلاله بميزان المواجهة بين الآراء المختلفة " ، ومن قال أن الباحث لا يتعرض للنقد وهل هو بلقب الباحث قد أخذ عصمة تمنعه من النقد ، بالتأكيد لا ، فعندنا كمجتمع إسلامي أن العصمة دفنت بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالتالي فالكل يؤخذ منه ويترك والحجة بالحجة والبرهان بالبرهان ، كما أن لقب الباحث والمنظر والمفكر وهذه الأوصاف لا تعطي حصانة لأحد ، بقدر ما تعطي طريقته في الاستنباط والاستدلال على ما يقول ، كما أن الدكتور رفيق بهذا الكلام يعرض بالبعض ويتهمهم وهو ما يخرجه أيضا عن منطق الباحث المحايد و قد أعاد ذلك الكلام مرة أخرى في مقاله على موقع إخوان أون لاين بتاريخ 11/ 8/ 2010 يقول " ولكن حصار الجماعة بالأسئلة، يهدف أيضًا إلى تخليق تيار داخل الجماعة يشق صفها أو يدفعها للمرونة بأكثر مما ينبغي؛ ما يجعل الجماعة محاصرة بمحاولة شق الصف، وفي نفس الوقت تواجه العديد من القضايا التي تتطلب اجتهادًا جديدًا ومرونة عملية "- وأظن أن هذا الكلام تحريضا واضحا لقيادة الجماعة على بعض أبنائها ، ينبغي للجماعة أن يكون له موقفا منه - ، وبدخول الدكتور رفيق إلى منطقة التنظير والانتصار للآراء ، يخرج من دائرة الباحث المحايد أو حتى المنحاز ، ويدخل إلى دائرة المشارك والمتفاعل والصانع في بعض الأوقات ، فقد كان عضوا في لجنة صياغة برنامج حزب الإخوان ، وصاحب مادة هيئة العلماء التي تعرض عليها القوانين ، فكيف يكون له كل هذا الدور ويصبح في النهاية باحثا محايدا متجردا ، لا طرفا مشاركا وصانعا للقرارات وهو أمر يشرفنا ونحتفي به، ولكنه أمر يعرًضه لأن يكون محلا للنقد إذا كانت فكرته أو رأيه مختلف عليه ، وليس باحثا محايدا يصور الأوضاع دون تدخل فيها ، وقد تعلمنا ودرسنا في مناهج البحث على أنه أحد المحاذير الرئيسية للباحث هو أن" الباحث قد يظهر نوعًا من التحيز عندما يسجل أكثر مما يلاحظ، فالملاحظ أحيانًا يتطرق إلى تفسير الظاهرة أو تعليلها أثناء تسجيله الملاحظة، وهو بهذا يضيف مهمة الحكم أو التفسير لنفسه عند تسجيله الملاحظة أو يسقط رأيًا شخصيًا عليه" ويعتبر ذلك أحد مشكلات الباحث وإذا حدثت فإنه يعرضه للنقد ، ولذلك فأنا أربأ بالدكتور رفيق وهو المفكر المحترم أن تنتفي فيه صفة الباحث المحايد ، ولا يمنع ذلك أن يكون الفرد باحثا في الشأن ، ومشاركا في الوقت نفسه وعدد الباحثين في الحركات الإسلامية من داخلها لا يعد ولا يحصى . إذا اتفقنا على أن ألدكتور رفيق حبيب يحمل صفة المشارك ، فبذلك لا حرج ولا ضير أن نختلف معه ، أو أن ينتقده صاحب رأى آخر ، وعلى هذا الأساس أنتظر باقي سلسلة مع الحركة الإسلامية خواطر باحث قبطي للدكتور الحبيب رفيق حبيب . أمجد أبو العلا [email protected]