من فتاة عراقية إلي الأهل والعشيرة في العالمين العربي والإسلامي . سلاماً وتحية :أعلم أنكم علي مقربة من عيد الفطر المبارك .ومن حققكم أن تفرحوا إذا كان هناك ما يدعو إلي الفرح .ومن حق قلوبكم أن تسعد إذا كان هناك ما يدعو إلي السعادة .والحاصل أن حالتي كغيرها من الحالات يجب أن تستوقفكم .فأنا ابنتكم .وحقي عليكم أن تسمعوني فأنا في الخامسة والأربعين من العمر .أكملت دراستي الجامعية .وهي لمن لا يعلم في علم الكيمياء . وكانت صولاتي وجولاتي في المعامل وبين أدراج المكتبات والمراجع .عندي من العلم الكثير وزيادة .حلمت كغيري من أبناء الرافدين بعراق المجد والفخار .عراق التقدم والنهضة .وكانت المؤامرة فقد تكالب علينا من يدعون كذبا وافتراء ما يسمى بالديمقراطية وحقوق الإنسان .وكانت جرائمهم علي ارض الواقع التي رأيناها وشاهدناها في أبو غريب وفي البصرة وفي الرمادي .وفي كل الأراضي العراقية التي كنا نراها مقدسة .جاءوا ومن خلفهم العملاء والمطاريد وأعداء الأمة والوطن والدين .أسموهم بالحكومة الانتقالية والمؤقتة وأعرفهم أنا وأنت بالخونة والمرتزقة وكانت المسرحية الهزلية .والتي مازالت تمارس علي خشبة المسرح العالمي .ولازال المشاهدون في كل بقاع الأرض يجلسون علي مقاعدهم الوثيرة والناعمة .منهم من بارك الجريمة ومنهم من جلس يبكي ويمسح عينيه بمناديل حريرية أو ورقية ولا فرق .ولكنه مازال قابضاً علي مقعده ليشاهد آخر فصول المسرحية .أما عن والدي فقد استشهد وهو يقاوم الغزاة والمحتلين والكذبة .أما أمي فقد اتهموها بالإرهاب وإيواء المقاومين وكان جزاؤها المكث في غياهب السجون حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً .ولن أحكي لكم ما حدث لها ولشقيقتها من هول وتعذيب .وأما عن أشقائي فقد لاقوا حتفهم فرادي وهم يثأرون لضحايا الاحتلال .وكان أخي الأكبر عالماً في الذرة .خرج من بيتنا لأداء صلاة العشاء أو العتمة فلم يعد .وأغلب الظن أنه قتل علي أيدي المحررين الجدد .وأما عن أعمامي وأخوالي فمنهم من قضي نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا .كغيري من الفتيات المسلمات القانتات .أحلم أن أكون أماً .إلا أنني حرمت قصراً من هذا الحق .ومن حققكم أن تسألوني .وما السبب ؟منذ خمسة عشر عاماً تقريباً تقدم لخطبتي أحد أبناء عشيرتي .وكنا قاب قوسين أو أدني من دخول عش الزوجية .وفجأة ودون سابق إنذار .أصابه المرض اللعين .وقال الحكماء .لا بديل ولا مفر من السفر للعلاج .فدواؤه هناك في أوربا . حاولنا . وجاهدنا .ولكن دون جدوى .فقد كان حصارهم الظالم والغير مبرر .مات خطيبي وهو يشكو إلي ربه ظلم الأمريكان وجبروتهم . تألمت . وحزنت عشيرتي علي فقيدنا وغيره بالمئات سقطوا صرعى بالكيماويات الأمريكية التي غمروا بها أرض العراق . بعدها بسنوات تقدم لخطبتي شاب آخر .فهو احد أبناء عمومتي .اعرفه فهو علي قدر كبير من التدين والوطنية .يومها قررنا سوياً أن يكون العرس بعد أيام من عيد الفطر المبارك .وكانت الطامة .لقد كان يسير في منطقة العامرية بمدينة بغداد .يومها رأي بأم عينيه الطائرات الأمريكية وهي تلقي بصواريخها ذات اليمين وذات الشمال .عندها فكر ثم قدر .وقرر الاحتماء بملجأ العامرية .فكانت صواريخهم التي صنعت خصيصاً لاختراق الجدران والنوافذ .في عملية قذرة أسموها بالتفريغ الهوائي .مات خطيبي ومعه المئات من النساء والشيوخ والأطفال .وتناثرت الأشلاء وتاهت معالم الجثث .يومها استدعوني للوقوف علي جثته .حاولت ملاقاته .إلا أنه صمم علي الرحيل مع الجماعة .لقد أراد اللحاق بإخوانه الشهداء والصديقيين .وهناك في الجنة مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر علي قلب بشر .ومن الحور العين سوف يكون له ما يريد .وفي بدايات عام 2003 كان خطيبي الثالث .فهو احد جنود الجيش العراقي وقد عرف بشهامته ونجدته ومروءته .ومن منا نحن العراقيات من يرفض هذا الشرف والاحتماء بأمثاله .يومها تعاهدنا .وكان الميعاد للمرة الثالثة بعد أيام عيد الفطر .ومرة أخري يأتينا الخطر الداهم .فالغزاة جاءوا من كل صوب وحدب . وفي الصفوف الأولي تقدم خطيبي كعادته دفاعاً عن الأرض والعرض وفي أم قصر كانت الموقعة .كثيرون قالوا انه استشهد بعد أن ابلي بلاءً حسناً .وآخرون قالوا انه مازال يمسك بالزناد دفاعاً عن الأرض .وانه انخرط في صفوف المقاومين الشرفاء .وأنا يا أخواتي ويا إخواني مازلت في انتظاره لإتمام العرس .فهل يأتي ليكون عرسنا بعد عيد الفطر .قولوا معي جميعً (يا رب) .