خبران توقفت أمامها في رمضان ويمكن أن يلخصا أشياء كثيرة تجري في مصر الآن..الخبر الأول جري في مدينة المنصورة أوائل الأسبوع الماضي وقبل حلول شهر رمضان..عندما تجمع آلاف الفقراء من قري ومدن محافظة الدقهلية في ستاد المنصورة ..بهدف الحصول علي شنطة رمضان والتي قال سعداء الحظ الذين تسلموها أنها تحتوي علي كمية صغيرة من العدس والسكر والأرز اضافة الي علبة زيت وخلت من أي قطعة لحم مثلما جاء علي لسان إحدي الفقيرات. جري تسليم الشنطة بعد امتهان كرامة الفقراء عندما طلبت الشئون الاجتماعية بالدقهلية منهم الحضور في السادسة صباحا أمام ستاد المنصورة.. فتكالب الآلاف منهم في مساحة ضيقة ولم يفتح الاستاد أبوابه قبل التاسعة صباحا..ويومها سجلت درجة الحرارة أعلي معدلاتها بسبب الموجة الحارة التي ضربت مصر أوائل الأسبوع الماضي. كان مندوب الشئون الاجتماعية بالمحافظة قد سلم الفقراء في بيوتهم ايصالا لإستلام شنطة رمضان..ولك أن تتساءل عن عدم تسليم المندوب شنطة رمضان للمحتاجين بالمرة..بدلا من هذا الإيصال طالما أنه قد طرق بيوت المستحقين..وبذلك يحفظ لهم كرامتهم وحياءهم بدلا من فضحهم علي الملأ..ثم لماذا استعذبت الشئون الاجتماعية معاناة هؤلاء المحتاجين في عز الحر. في تفاصيل الخبر المنشور ستعرف أن هذه الشنطة يتم توزيعها كل عام بنفس الطريقة المهينة..دون أن يسترعي ذلك اهتمام المحافظ فيأمر بتسليم الشنطة في بيوت الغلابة. شنطة رمضان انتقلت من المنصورة الي معظم محافظات مصر حيث قرر الحزب الوطني توزيع مليون شنطة علي الفقراء والمحتاجين في دوائر مرشحي الحزب الوطني بمناسبة اقتراب انتخابات مجلس الشعب ولصقوا صورة المرشح علي شنطة رمضان دون حياء من الحزب أو مرشحيه..كفي إذلالا لفقراء مصر في الشهر الكريم. الخبر الثاني الذي استوقفني فكان عن احصائية تتضمن عدد المسلسلات المعروضة علي الفضائيات المصرية في رمضان والتي بلغ عددها الثلاثين بتكلفة اجمالية مليار جنيه..وإذا كان عدد ساعات اليوم التي خلقها لنا ربنا هي 24ساعة.. نقتطع منها سبع ساعات للنوم..واذا افترضنا عدم قيامنا بأي عمل وكذلك عدم الذهاب الي الحمام فسوف يتبقي لنا 17ساعة وهي للأسف لاتكفي سوي لمشاهدة 17مسلسلا فقط..وبالتالي سيمر رمضان وقد عجزنا عن مشاهدة أكثر من 13مسلسلا. لا أعرف لماذا برعنا في زيادة انتاجنا من التسالي والمسلسلات حتي قمنا بتصدير الفائض منها بينما فشلنا في تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح واللحوم. اذا تركنا غثاء المسلسلات فسوف نصطدم بكم هائل من البرامج غلب علي معظمها التفاهة والسطحية وفتح ملفات قديمة عن أخلاقيات الفنانات وحكايات لت وعجن في الكرة وقشريات لاعبي كرة القدم لاتسمن أو تغني من جوع..لسنا ضد الترويح عن النفس في هذا الشهر الكريم لكن بالأصول وليس بمثل هذه الطريقة التي تضر ولاتنفع. ستشعر بعد متابعة قليل مما هو معروض أننا امة بلاعقل..وكل من يريد أن يعمل حاجة فإنه يفعلها..فكيف لمجتمع لديه مشكلة طاحنة في توفير الكهرباء (وزير الكهرباء دعا المواطنين الي تخفيف الاستخدام) أن ينتج كل هذا الكم من البرامج والمسلسلات..فتعمل قنواتنا وفضائياتنا علي مدار الساعة..ولدينا أزمة مياه وقمح ولحوم وكهرباء ونتصرف كأننا أغني بلاد العالم. كان يجب أن يكون رمضان فرصة جيدة أمام الناس للتوبة واستحضار القيم بسبب التدني الكبير للأخلاق في حياتنا..لكن الفضائيات نجحت في تفريغ الصيام من معناه وقمنا جميعا بتحويله من شهر للعبادة الي شهر للاستهلاك والترفيه..قمة المهزلة.