ثاني الحلول والمخارج لنا كمجتمع ودولة من لتلك الأزمة الراهنة هو: أن ثمة توازن قوى حاكم للوضع المصري، سواء على مستوى الشارع أو على مستوى السياسة. فلا النظام الحاكم استطاع إسكات الإخوان والقوى الداعمة لهم أو لما يسمونه الشرعية، ولا الإخوان وتلك القوى استطاعت أن تسقط النظام الحاكم أو كما يسمونه نظام الانقلاب. ثمة حالة من حالات التوازن تحكم مجمل العلاقات السياسية بين الطرفين، وهذا التوازن يفترض أن كل طرف لا يمكنه إخراج الطرف الآخر من المعادلة السياسية حتى لو أراد. الإخوان أو القوى الداعمة لهم حالة مجتمعية وسياسية لا يمكن اقصاؤها أو استبعادها تماما او إغفالها من أي معادلة مستقبلية يراد لها أن تحكم البلد، والحكومة والنظام العسكري الداعم لها حالة سياسية وقوة أمر واقع وعلاقات إقليمية ودولية، وما حدث في مصر منذ 3 يوليو لا يمكن إغفاله ولا يمكن البناء على افتراض عدم وجوده أو عدم الاعتراف ليس به فقط بل بما ترتب عليه من شبكات تحالفات ومصالح ونفوذ وعلاقات إقليمية ودولية أسفرت عن دعمها الكامل له ولما يرتبه من استمرار وجوده في السلطة لمصالحه. باختصار هذا الدعم اللامحدود والمتبادل (للوجود والمصالح) لا يمكن إغفاله أو تجاهلهأو البناء على عدم وجوده أو تشكله في عالم الواقع. ما حدث في مصر يوم 3 يوليو لم يكن إلا حدثا كاشفا لواقع لا يمكن إنكاره، حيث لم يعد حدثا مصريا خالصا بل أحدث شبكة تحالفات ومصالح إقليمية ودولية، بل هي التي مهدت له سلفا، وكرسته واقعا، ودعمته مستقبلا. وهذا الحدث لم يكن إلا رأس جبل الجليد العائم في بحر الصراع بين من كان يفترض أنه يحكم مصر، ومن كان (داخليا وخارجيا) لا يريد له أن يستمر في حكم مصر. ولا زال جبل الجليد مختفيا ولا مهرب منه إلا بالاعتراف بنتائج هذا الصراع وما ترتب عليه من آثار وتداعيات التي لا يمكن إنكارهافي عالم الواقع. والاعتراف بنتائج هذا الصراع ليس معناه الرضى به (فكم من أشياء في حياتنا نعترف بحدوثها ولا نرضاها). لقد وصل حال مصر إلى وضع لا يمكن استمراره ولا يمكن الرجوع فيه، وخير للطرفين وللبلد أن يستخدما عقلايفكر خارج الصندوق: خارج دائرة الحلول التقليدية تلك الحلول التي عفى عليها الزمن، وأصبحت هي نفسها خارج الزمن. لا يمكن إلغاء الخصوم السياسيين والفكريين من دائرة الاجتماع الإنساني (حتى لو تم سجنهم أو حتى إعدامهم). ولا مفر من التعامل معهم. والاعتراف بعدم القدرة على إلغاء الخصوم أول مراحل التعامل معهم. والاعتراف بوجودهم ثاني مراحل التعامل معهم. والقدرة على ابرام اتفاقات ملزمة ومحترمة لا ترغم الخصم ولا تذيقه الهوان والخسف ثالث مراحل التعامل مع هؤلاء الخصوم. الاتفاقات الملزمة والمحترمة هي فقط التي يضمن لها البقاء والاستمرار، أما اتفاقات الإذعان والاتفاقات المهينة فهي اتفاقات مرهون استمرارها باستمرار ميزان القوى الذي انتجته مختلا، أما حال يتغير ميزان القوى هذا، فهي أو ما يمزقه الفريق المهزوم. الاتفاقات الملزمة والمحترمة هي الاتفاقات التي لا يخسر فيها طرف كل شيء، ولا يكسب فيها طرف كل شيء، هذه الطريقة (كل شيء) هي أحد نواتج العقلية الصفرية الفاشلة التي أودت بالبلد الى المهالك، والتي لو قدر لها الاستمرار فستأتي على البقية الباقية من الأمن والسياسة في بر مصر. ولا يمكن لتلك الطريقة العقيمة أن تستمر طريقة في التفكير أو منهجا في الحياة، أو أسلوبا في الحكم والسياسة. هناك توازن قوى واضح بين القوى المعارضة والسلطة فتلك الأولى القوى بمعبأة بحمولة اجتماعية وشرعية لا يستهان بها،وتلك الثانية (السلطة) معبأة بقوة الأمر الواقع الذي لا يمكن تجاهله أو التفكير وكأنه غير موجود. هذا التوازن في القوة بين الطرفين إذا استبطناه كفيل بأن يخرج لنا معادلة حاكمة جديدة، تخرج بها البلد من أزمتها المتشعبة. وكل من يدفع أنصاره في اتجاه التصعيد أو اقصاء الخصوم أو العمل على إلغائهم من خارطة المستقبل هو يعمل على الدفع في طريق الهاوية. والصقور من كلا الطرفين يمتنعون، فهم وسطاء غير نزيهين ولا يعملون للخروج من الأزمة، بل يعملون على تصعيدها واستمرارها. وهذا الصنف من السياسيين هم من تسبب بنهجهم الفكري الإقصائيفي الوصول إلى هذا الطريق المسدود المظلم. وهم أساسا جزء من المشكلة ولا يمكن أن يكونوا جزء من حلها. هم لا يملكون حلول وكل بضاعتهم السير قدما للارتطام بجدار الواقع الصلب (وكلاهما صلب: الجدار والواقع).