أخيرا ومع دخول شهر رمضان يبدأ العمل التجريبي لساعة مكة، التي ستصبح المعادل الإسلامي لساعة بيج بن ولتوقيت جرينتش الذي فرضه الإنجليز على العالم بعد اختراعهم لخط وهمي هو خط جرينتش الذي يقع في ضاحية جرينتش غرب لندن أصبح مقياسا للمكان والزمان قربا وبعدا، وبحسب القائمين على المشروع سيستمر التشغيل التجريبي لساعة مكة ثلاثة أشهر، ثم سيتم ربط مركز توقيت مكةالمكرمة بشبكة التوقيت العالمي "يو تي سي" التي يوجد مقرها في باريس. ساعة مكة التي نفذتها شركة ألمانية تقع ضمن مشروع ضخم تبلغ تكلفته 3 مليارات دولار، وبالطبع لا نريد لهذه الساعة ذات التكلفة العالية جدا أن تكون مجرد زينة أو محلا للتفاخر باعتبارها أكبر ساعة في العالم، بل نريدها فعلا أن تكون مظهرا وعاملا مساعدا جديدا على وحدة العالم الإسلامي الذي أصبح بمقدوره الآن أن يحتكم إلى توقيت خاص به بدلا من الاعتماد على توقيت فرض عليه، ونأمل بالطبع ان تكون هذه الساعة مقدمة ودافعا أيضا لإطلاق قمر صناعي إسلامي بمشاركة كل الدول الإسلامية يتخصص في تحديد أوائل الشهور وعلى رأسها شهر رمضان ليوحد بداية ونهاية الصوم والأعياد للمسلمين الذين يشتركون جميعا في أجزاء كبيرة من النهار والليل. لقد كان ذلك القمر ولا يزال أملا يراود الكثيرين، ونتذكره عند استطلاع رؤية هلال رمضان كل عام، وما يتبع ذلك من خلاف على تاريخ بدء الصوم، وكانت رابطة العالم الإسلامي قد أقرت فكرة المشروع في العام 1997 وتحمس له مفتي مصر الأسبق الدكتور نصر فريد واصل، لكن المشروع لا يزال حبيس الأدراج بانتظار بضع ملايين من الدولارات( 8- 10 ملايين) عجزت عن جمعها حكومات 56 دولة إسلامية. وفقا لما بثته وكالة الأنباء الفرنسية تعد ساعة مكةالمكرمة أطول ساعة في العالم بطول 40 مترا وارتفاع 400 متر عن مستوى الأرض. وأثناء الأذان، يتم إضاءة أعلى قمة الساعة بواسطة 21 ألف مصباح ضوئي تصدر أضواء لامعة باللونين الأبيض والأخضر، يمكن رؤيتها من مسافة تصل إلى ثلاثين كيلومترا، وهي تشير بذلك إلى دخول وقت الصلاة. وستوضع الساعة على برج بارتفاع 601 مترا، فيما يصل ارتفاع الساعة من قاعدتها إلى أعلى نقطة في قمة الهلال 251 مترا، ويحمل البرج أربع ساعات على جهاته الأربع، ويعلوها من الجهات الأربع لفظ الجلالة (الله) كما تتوسطها علامتا السيف والنخلة رمز العلم السعودي. وتتكون ساعة مكة من أربع واجهات، تبلغ مقاييس الواجهتين الأمامية والخلفية 43 مترا طولا و43 مترا عرضا، فيما مقاييس الواجهتين الجانبيتين حوالى 43 مترا طولا و39 مترا عرضا، ويبلغ الوزن الإجمالي لساعة مكة 36 الف طن. كما سيتم تركيب مصادر ضوئية "ليزر" تصدر إشعاعات وإشارات في أوقات الأذان، والمناسبات المختلفة مثل الأعياد، وتقوم الألواح الشمسية بتوليد الطاقة الكهربائية لتشغيل محركات الساعة، كما ترتبط الساعة بالشبكة الكهربائية العامة لمكةالمكرمة لتزويدها بطاقة كهربائية إضافية. وتتكون كامل واجهات ساعة مكة من 43 ألف متر مربع من مادة "الكاربون فايبر" المتطورة التي تستخدم في صناعة الطائرات الحديثة. وتتميز هذه المادة العالية التقنية بقوتها العالية التي تزيد عن ثلاثة أضعاف قوة الحديد، بالإضافة إلى قدرتها على مقاومة الظروف الجوية القاسية. لا ندري حتى الآن الكيفية التي سيتم بها اعتماد توقيت مكة رسميا في الدول الإسلامية المختلفة، وإن كان من المؤكد أنه سيتم اعتماده فور انتهاء عمليات التشغيل التجريبي في المملكة السعودية، وقد يحتاج الأمر وقتا طويلا حتى تتفق الحكومات الإسلامية على اعتماده، لكن الشعوب الإسلامية سبقت حكوماتها للتعامل مع هذا التوقيت حتى قبل أن تظهر ساعة مكة، وذلك عبر معرفته من القنوات الفضائية التي حرصت على وضعه إلى جانب توقيت جرينتش، وكانت قناة الجزيرة صاحبة الفضل في هذا الأمر. نحن ننتظر حدثا عالميا كبيرا، لكنه يحتاج بالفعل إلى تضافر جهود كل المخلصين في العالم الإسلامي شعوبا ومنظمات وهيئات رسمية وشعبية لتسويق هذا الإنجاز، ودفع الحكومات العربية والإسلامية لاعتماده لنحقق بذلك مظهرا جديدا لوحدة عالمنا الإسلامي، ونتمنى من القيادة السعودية أن تلقي بثقلها لإنجاز مشروع القمر الصناعي الإسلامي الذي يحتاج إلى ميزانية أقل من تكلفة ساعة مكة حتى نصوم جميعا ونفطر في يوم واحد.