لا يوجد حب من طرف ثالث ولكنها صيغة جديدة اخترعناها مثلما قمنا من قبل بدهان الهواء وتعبئته وبيعه أيضا ، الحب له طرفان فقط فإما يكون متبادلا أو من طرف واحد ، نحن لا ننتج آدابا وفنونا إسلامية ونرفض تماما الآداب والفنون غير الإسلامية علنا وبكل ضراوة ولكن الصيغة المبتكرة هي أننا نتعاطاها سرا ! لو سألت الناس عن رأيهم في مسلسلات رمضان (200 مسلسل هذا العام )سوف يستنكرها الغالبية العظمي منهم ويتهمونها بكل التهم ولكن نسبة المشاهدة العالية جدا تؤكد أن في الأمر خدعة ، فقد ارتاح الناس لصيغة الرفض المطلق معلنا والقبول علي استحياء مذعنا وهذا هو الحب من طرف ثالث . دعنا من الدراما فهي حقل شائك ( تمثيل ونساء وغيره ) فقد أوردتها كمجرد مثال صارخ للازدواجية التي نحياها ، ولكن هناك كثير من الميادين الثقافية الآمنة والتي خلت تماما من أسماء مبدعين إسلاميين ، الشعر الذي كان ( ديوان العرب ) و الفنون التشكيلية التي نراها مجسدة في العمارة و الآثار الإسلامية في كل أرجاء العالم ، والفنون الحديثة مثل القصة والرواية ، أين نحن منها ؟ وهل يكفي حقا أن ننقد ونشجب ما ينشره غيرنا ؟ كل نقد لا يلازمه إنتاج متميز هو في الحقيقة صراخ سلبي يعبر عن إفلاس ، المفروض أن نقول هذا لا يناسبنا وهاكم الإنتاج الراقي الذي يعبر عنا بالفعل . أما الملاحظة المثيرة للتعجب فعلا فهي ما ينشر في المجلات والمواقع الإسلامية من طرائف ونوادر وحكم ، كلها قديمة مستهلكة وتخطاها الزمن ، لماذا ؟ هل أصبحنا حتي لا نعرف كيف نمزح أو ننصح ؟ كل الطرائف تبدأ هكذا ( قيل لأحد الثقلاء ...قال أحد الظرفاء .. ثم قصة غير مفهومة وغير ملائمة ) ومما جاءني علي بريدي مثلا ( سئل أشعب ماذا تأكل ؟ قال لحم كلب في قحف خنزير ) بصراحة مقززة جدا وليست فكاهة بالمرة . لماذا نتخيل أن المزاح الإسلامي هو طرائف أشعب ونوادر جحا ؟ وأن النصائح هي ( قال أب لابنه : يا بني الناس ثلاثة ... ونصحت أعرابية ابنتها ليلة زفافها : ولا يشم منك إلا أطيب ريح ) ؟ نشبه الحاضرين في حفل تنكري حيث يرتدي كل منهم زيا لشخصية تاريخية ويكون حريصا علي شعرها المستعار وقناعها ليبدو مثلها ، فهذا يرتدي نابليون وتلك هي كليوباترا ، ولكن قواعد اللعبة معروفة فهو مجرد ( باللو ) أو ( مسخرة ) وبمجرد العودة للمنزل ننزع الأقنعة ونعيش مثل كل الناس ، نريد أن نحيا بوجهنا الحقيقي الخاص بنا وغير المستعار ونطبق قواعد الإسلام بإنزالها علي واقعنا وتفاصيله وألا نقول غير ما نفعل ونجتهد في تطوير ( واقعا إسلاميا نحياه ظاهرا وباطنا ) ونشجع كل إبداع للفنون والآداب التي تعبر عنا بالفعل وتبرز ثقافتنا الخاصة والعميقة . ولنتساءل هل يستمتع شبابنا بطرائف أشعب وهل يضحكهم جحا ؟ أتذكر تلك الجدة الريفية الطيبة التي قالت فزورة لحفيدها ( يعدي البحر دون أن يبتل فمن هو ) كانت تخبئ الإجابة التي حفظتها منذ الصغر ( العجل في بطن أمه ) ولكن الصغير فاجأها بقوله ( أي حد راكب طيارة ) ، واليوم سوف توصي الأم ابنتها بقولها ( لا تفتشي موبايله ولا تفتحي رسائله فهذا ما يخرب البيوت هذه الأيام ) أما مسألة الروائح هذه فالبنت صارت خبيرة بعشرة أنواع علي الأقل من البرفان واللوسيون والكريم والمرطب ووووو ... مما لا تعرفه الأم ) هناك تجارب ناجحة بلاشك ومنها المواقع الإسلامية الرائدة التي أحدثت فرقا لدي القراء لمصداقيتها وواقعيتها والتزامها أيضا ثم القنوات الفضائية الإسلامية وخاصة ( قناة الناس ) التي تشهد تطورا حقيقيا ومستمرا في صيغة مناسبة تمزج بين الأصالة والمعاصرة وتجيب عن كثير من أسئلة الناس في حياتهم اليومية، وأيضا هناك تجارب ناجحة عديدة لبرامج وكارتون موجه للأطفال . هناك تجارب ناجحة أيضا في هذا السياق قام بها الناس تلقائيا بما يتوافق مع واقعهم الجديد بنجاح باهر وهي كل ما يخص ( الفرح الإسلامي ) منذ ربع قرن مثلا ، كان الكوافير ( مصفف الشعر ) رجلا والمصور ( رجلا ) و الفرح مختلطا والغناء مسفا مصاحبا بالموسيقي والراقصة التي تحي الحفل عارية . الآن صار المصفف والمصور والترزي من العاملات الماهرات ، وصار الفرح منفصلا فصلا كاملا بين الحريم والرجال ، والغناء وإحياء الحفل بواسطة فرق من الفتيات المنشدات الرائعة التي تثير جوا من البهجة والحبور أكثر كثيرا مما قبل ، حتي الدعوات والشرائط وغيرها أصبحت بصيغة مناسبة وجميلة ومبهجة وأفضل من الفرح العادي بكثير ، برافو هذا إبداع . لماذا لا نواصل كل في المتاح أمامه ؟ وأين شبابنا الواعد ؟ أرجو ألا يقلل أحد من أهمية الآداب والفنون فهي علامة الرقي الحضاري ، وعن طريقها نخاطب طبقات أعمق من الوعي وننقل صورتنا لغيرنا بدلا أن نترك غيرنا ينقلها مشوهة مزيفة ، ونترك لمن بعدنا وثائق حية تعكس حياتنا وظروفنا ، ونستوعب طاقة شبابنا فيما يفيد وإذا كانت السياسة هي الحرب بوسائل أخري فإن الفن والأدب هو السياسة بوسائل أعمق وأرقي . والأهم من كل ذلك لنعرف متعة أن نحيا بوجه واحد ونتعلم ألا نستخفي بأفعالنا ونواجه كل مشكلة ولا نتركها بلا حل ، ونخفف قليلا من غلواء النقد والشجب للآخرين لأنه فعل شديد السهولة والسلبية ولا ينتج شيئا ، فحتي عندما أثبت أن غيري سئ فإن ذلك لا يعني أبدا أنني الأفضل . [email protected]