تذكرت فيلم "الحدود" للممثل السوري دريد لحام وأنا اقرأ قصة الطبيب الذي أجرى عملية تحويل جنس لفتاة وبعد أن انجز أول علامة عضوية على الذكورية رفض أن يكمل إلا أن يأتي - والده أو والدها البسيط - بموافقات من الأزهر ونقابة الأطباء! ووفق الخبر الذي نشرته "المصري اليوم" أمس قام بطردها (سأتحدث على أنها أنثى على أساس ما ولدت به) لأن الأب يتعجب من أن الطبيب أخضعها للجراحة وهي فتاة – على الأقل من حيث العلامات الأنثوية العضوية والمظهر – وتركها الآن لا هي ولد ولا بنت! في "الحدود" وجد دريد لحام نفسه في منطقة محايدة لا يستطيع أن يدخل إلى هذه الدولة التي وراءه ولا التي أمامه بعد أن ضيع جواز سفره وأوراقه التي تثبت هويته.. وفي حال البنت الولد ضيع الطبيب هويتها وتركها في منطقة محايدة بعد أن تذكر فجأة أنه يجب الحصول على موافقة الأزهر ونقابة الأطباء. "هبة" البالغة من العمر 15 عاما هي التي يجب أن تقوم بهذه الإجراءات وإلا ستظل طيلة عمرها المتبقي نوعية مختلفة من المخلوقات! يقول الأب بتلقائية عجيبة لكنها تكشف أيضا عن الفترة الانتقالية السيئة التي نعيشها سياسيا واجتماعيا ودينيا وإقتصاديا في ظل الغد المجهول "أجرى الطبيب العملية الأولى وهي إنزال الخصيتين ونجحت العملية وكنا سعداء بها لأنني ليس لدي أولاد، وأخيرا ربنا هايرزقني ولد وسميته أحمد وكل العيلة بقت تناديه بهذا الاسم وأمر الدكتور بخروجها من المستشفى لمدة شهر قبل العملية الثانية، لكننا فوجئنا برفضه إكمال العملية للبنت وطردنا من المستشفى وقال لازم تجيبوا موافقات من نقابة الأطباء والأزهر قبل ما أكمل العملية". وتابع: "ليه ما طلبش الموافقات دى قبل إجراء العملية الأولى والبنت دلوقتى محتارة لا هى بنت ولا ولد بسبب العملية، لأنها أصبحت بنت بخصيتين". وانفعل الطبيب على الصحفي الذي اتصل به قائلا "أنا معملتش حاجة واعتبرونى غلطت وباصلح غلطتى"! هل يمكن أن نفصل ما فعله "الدكتور" عن أحوال الدولة التي يعيش فيها؟! الناس على دين ملوكهم.. وملوكنا اوقفوا الحياة تماما وتركونا في المنطقة المحايدة حتى أصبح المجتمع "لا هو ولد ولا بنت" كحال الفتاة المسكينة! إذا كان الطبيب أخطأ في حق بني آدم واحد وأخرج البنت من أي هوية تلوذ بها فلا تستطيع مجالسة الذكور ولا الإناث، فإن نظامنا السياسي يخطئ في حق أكثر من 80 مليون بني آدم وفي حق بلد عريق بكل مؤسساته تاركا غده مجهولا بأعاصيره من أجل "جمال مبارك"! سيغضب البعض مني عندما أقول إن حال مصر الآن كحال تلك الفتاة "لا هي بنت ولا ولد" وأن "الدكتور" تأثر بها فلم يجد بأسا في أن يطرد الفتاة ولم يخجل من القول "لازم يجيبوا الموافقات القانونية أولاً قبل ما نكمل ولو مش عاجبهم يعملوا اللى عايزينه". نكاد نسمعها من الشلة المحيطة بالسيد جمال مبارك: الحال سيظل هكذا (واقف) ولو مش عاجبكم اعملوا اللي عايزينه! وصدقوني لا نستطيع أن نعمل شيئا أكثر من مقال كهذا لا يقرأه أو لا يهتم به من لديهم الأمر، أو صفحة في الفيس بوك. على الأقل تستطيع هبة ووالدها الذهاب للأزهر ونقابة الأطباء لأخذ الموافقات المطلوبة، أما مصر فليس في وسعها سوى انتظار أمر خارق لكي تخرج من اللا ولد واللا بنت، تماما كما خرجت عام 1973 من اللا سلم واللا حرب! برافو "دكتور".. ما عملته هو عين الصواب فما الذي يدعوك لأن تغرد وحدك خارج السرب؟! [email protected]