لم يجد مطران مغاغة الأنبا أغاثون من رد قوي على محافظ المنيا إذا لم ينصع لطلبه ببناء مقر جديد لمطرانيته سوى بتهديده بحشد آلاف المسيحيين في أتوبيسات إلى القاهرة للتظاهر في مقر الكاتدرائية بالعباسية، وقد أمهل المطران أغاثون الجنرال أحمد ضياء الدين مهلة يومين تنتهي اليوم الأربعاء لتنفيذ مطالب الشعب القبطي وإلا فإن كتائب المتظاهرين ستتحرك محمولة بالحافلات إلى القاهرة لتقديم إنذارها للقصر الجمهوري، ودعوته للتدخل للترخيص ببناء المقر الجديد. تحول مقر الكاتدرائية المرقصية بالعباسية خلال الأيام الماضية إلى ما يشبه ساحة "الشهداء" في بيروت التي تحتضن المظاهرات والاعتصامات، وبدلا من أن يؤمها آلاف المسيحيين للصلاة والعبادة أصبحت تستقبل هذه الآلاف للتظاهر والاعتصام في مخالفة صريحة لمنع التظاهر في دور العبادة، وقد نجحت كل تلك المظاهرات حتى الآن في تحقيق مطالبها التي رفعتها والتي كان الكثير منها يمثل تحديا صريحا لهيبة الدولة، وبالتالي فإن أي كاهن وأي متطرف مسيحي لن يفكر في أي وسيلة أخرى للاحتجاج بعيدا عن ساحة الكاتدرائية مسموعة الصوت ، مهيبة الجانب ومحصنة الأسوار ضد أي تدخل بوليسي عنيف!!. نعم لماذا لا يفرض مطران مغاغة كلمته على محافظ المنيا الجنرال السابق بوزارة الداخلية إذا كان يستطيع أن يفعل ذلك بسهولة عبر تلك الحشود بينما يجلس هو في بيته متكئا على أريكته منتظرا قرارا جمهوريا بتلبية مطالبه وتنحية هذا المحافظ العنيد؟. من المؤسف حقا أن تتحول كاتدرائية العباسية من رمز للمحبة إلى رمز للشحن الطائفي البغيض، ومن مكان روحي إلى مقر حزبي، يقدم نفسه باعتباره ممثلا للشعب القبطي قافزا على تمثيل الدولة لجميع أبنائها مسلمين ومسيحيين، ولعل ما يجدر ذكره والإشادة به في هذا المقام ما كتبه قبل عدة سنوات السياسي الوطني جمال أسعد عبد الملاك في كتابه " من يمثل الأقباط ..الدولة أم الكنيسة؟". كان حريا بالكاتدرائية والقيادة الدينية في الأنبا رويس أن تصدر توجيهاتها بمنع تلك الحشود وان توصد أبوابها أمام غير المصلين، خصوصا بعد افتضاح مزاعم خطف زوجة كاهن ديرمواس التي تورطت الكاتدرائية في الشحن لها، وستجد الكاتدرائية نفسها متورطة أيضا في أزمة مطران مغاغة مع محافظ المنيا دون إلمام كامل بتفاصيل الأزمة من كلا الطرفين. إذا كان الأنبا أغاثون يهدد ويتوعد المحافظ لإجباره على بناء مقر جديد للمطرانية ( إلى جوار المقر القديم ليصبح لديه مقران) بدعوى تنفيذ اتفاق قديم بين الطرفين فإن المحافظ أكد في تصريحات نشرتها جريدة الشروق أن المطران نفسه هو من خالف هذا الاتفاق، إذ أن الاتفاق تضمن عدة بنود أولها قيام المطرانية بالبدء فورا في هدم كل المباني الواقعة داخل السور حتى سطح الأرض، وإزالة جزء من السور المواجه للجهة القبلية للأرض الجديدة بما لا يقل عن عشرة أمتار، وتركه بلا أية أسوار بشكل يتيح الفرصة كاملة لرؤية ما تمت إزالته، وصولا لإقناع الرأي العام بإتمام إزالة كل المباني الخاصة بالكنيسة القديمة، لكن المطران قام بهدم مساحة 14 مترا من السور القديم للكنيسة، ثم أعاد بناءها من جديد، كما أن جميع المباني الموجودة من الكنيسة القديمة لم يتم هدمها وإزالتها بحسب الاتفاق، وبالتالي فلا يحق له مطالبة المحافظة بأن تنفذ التزاماتها قبل أن تفى المطرانية بالتزاماتها التي تم الاتفاق عليها مع المحافظة. وتضمن البند الثالث، كما قال ضياء الدين، تحديد مشروع خدمي يقام محل الكنيسة والمنشآت التي أزيلت، ويتمثل في إقامة مركز طبي تخصصي بعد إنهاء كل الإجراءات اللازمة للترخيص به في ضوء التنسيق مع وزارة الصحة في هذا الشأن، وأن يمر أسبوع بين الهدم للكنيسة القديمة وبداية البناء للجديدة، على أن يتم تدبير مكان للصلاة فى الموقع الجديد بعد إتمام إزالة المباني، إما سرادق أو ما قد يماثله أو أى كيان خشبي مؤقت، وأن تلتزم المطرانية بعدم تغيير المشروع الخدمي المنصوص عليه سابقا سواء في مسماه أو طبيعته، وتقديم خدمات للجميع من المسلمين والأقباط. وأضاف المحافظ أن الاتفاق نص أيضا على أن تلتزم المحافظة بعد إنهاء كل ما اتفق عليه من بنود بإنهاء إجراءات ترخيص الكنيسة الجديدة لدى الجهات المعنية وفقا للضوابط القانونية المقررة، لكن المطران عاد ونقض فكرة المشروع الخدمي وصرح بأن الأرض القديمة ليست ملكا له وأنها أوقاف قبطية وتحت تصرف البابا شنودة نفسه، وتساءل المحافظ "إذن على أى اتفاق وقع هو؟". أنصح الكاتدرائية بالاستماع لرأي الطرفين( المحافظ والمطران) قبل أن تتورط وتتبنى وجهة نظر طرف من باب الحمية الطائفية، ففي ديننا كما في دينكم يكون نصر أخيك الظالم بردعه عن ظلمه لا بمساندته في هذا الظلم، فقد تستطيع الكاتدرائية بالفعل تنفيذ رغبة المطران وكسر هيبة المحافظ وحتى إقالته وجعله عبرة لغيره، لكنها في المقابل ستجني عداوة ملايين المصريين الذين سيشعرون بالمهانة وسترفع بذلك حالة الاحتقان الطائفي الذي لا يعلم أحد غير الله إلى أين يصل بنا.