في خبر غريب طالعتنا جريدة الأهرام بخبر فحواه هو انسحاب الوفد المصري من مهرجان مالمو السينمائي بالسويد وهو ما ذكر في عدة صحف مصرية بروايات شتى ملخصها أن الوفد المصري قوبل بمتظاهرين يرفعون علامة رابعة وربما شعارات مناهضة للانقلاب العسكري و النظام الحاكم وهو ما استاء منه الفنانون المصريون فقامت إحداهن بحسب روايتها للمصري اليوم بالرد عليهم برفع علامة النصر فزاد من احتقانهم واضطر أعضاء الوفد للاستنجاد والاتصال بالسفير المصري الذي لم يكن متواجدا بالمدينة وقام مشكورا بتكليف رئيس الجالية المصرية بالتعامل مع المشكلة وفى استعراض إحدى الفنانات واستنكارها لطريقة تعامل رئيس الجالية مع المتظاهرين حيث كان يقوم بتهدئتهم ويتحدث معهم وهو ما استنكره أعضاء الوفد المصري وهنا تكمن المشكلة هل تصرف السيد رئيس الجالية تصرفا محمودا أو مستهجنا. يبدو إننا نسينا من غمرة ما نمر به من أحداث منكفئين على أنفسنا لا نسمع إلا صوتنا ولا نخاطب إلا أنفسنا ولا نرى إلا ذواتنا في غرور مذموم أوصلنا أن نفقد قدرتنا على التواصل مع العالم الخارجي والتفاعل معه وقد يكون هذا الانغلاق مقبولا من السياسيين نتيجة جهل أو عجز أو السقوط في وهم أنهم هم الصواب وان العالم كله يقف ضدهم ولكن أن يصل نفس الفكر إلى الفن و الفنانين فتلك مصيبة لان الفن مبنى على الشهرة التي لا تأتى إلا باتساع نطاق الإعجاب و التفاعل مع الناس بتعدد ثقافاتهم داخليا وخارجيا ولذا لم نجد فنانا أو فنانة اشتهرت عالميا إلا ووجدنا لها بصمة كانت سببا في شهرتها أما بكفالة فقراء مثلما اشتهرت السيدة أوبرا وينفرى أو حتى برعاية فصيل من الحيوانات أو غيرها من الاهتمامات هذه الشهرة هي مربط الفرس لدى الفن عموما وكافة الفنانين عموما لا نستثنى منهم المصريين.
إذا تأملنا ما حدث نجد أن الكثير من فنانينا للأسف يشعرون أنهم مركز الكون في غرور بلا معنى ولا يجد الكثير منهم الوقت أو ربما الفرصة للإطلاع على كافة ما يجول في أرجاء العالم أو حتى كافة ما يجول في بلده و بالتالي فهم ربما يعتقدون أنهم مدينون للنظام اقصد اى نظام وأدواته في شهرتهم عن طريق تجارب البعض منهم الايجابية أو السلبية مع أدوات النظام من معدين و منتجين وربما مخرجين و غيرهم وهذا ما يجعلهم يتفادون الصدام مع اى نظام إلا القليل الذي يهمه التعبير عن وجهة نظره وانتمائه وأفكاره حتى وان تصادمت مع قناعات النظام وكل ذلك لا خلاف عليه المشكلة الأساسية ليست فيما يعتنقونه من مذهب أو فكر المشكلة أنهم لا يعرفون ما يدور في العالم ويتغافلون عن أن اى دولة حرة حق التظاهر فيها مكفول ويحميه القانون حتى وان كان مضادا لتوجهات الدولة طالما يتم في إطار من الحضارية و السلمية وقد سبق أن رأينا بوش الابن يقذف بالطماطم في أوربا فلم يستنجد بالسلطات ونفس المواقف تتكرر مع زعامات ملئ السمع والبصر ويتم استيعابها في إطار الاختلاف في وجهات النظر ليس إلا ولكن فنانونا أو لنقل غالبيتنا كمصريين ومهما تكلمنا عن الديمقراطية إلا أننا وان حسن كلامنا عنها عندما ناتى إلى التطبيق تختلف توجهاتنا فمعظمنا للأسف غير مهيأ لدفع ضريبة الديمقراطية بينما الكل مهيأ و مستعد لاستقبال ما تأتى به الديمقراطية من مكاسب ومن هنا نرى الازدواجية التي تعانى منها نخبتنا للأسف والتي نجد جزء لا يستهان به منه يؤمن بالديمقراطية التي تأتى به إلى سدة الحكم ولكن إن أقصيته فلتذهب تلك الديمقراطية إلى الجحيم.
إننا جميعا كمصريين مطالبون بتفاعل أكثر مع قضايانا وقضايا العالم أيضا فالعالم أصبح قرية صغيرة ولا نكتفي بالانكفاء على أفكارنا نجترها ونكررها وكأننا نعيش في كوكب آخر فذلك أول مؤشرات الفناء لان الكون خلق ليتفاعل البشر جميعا ونحن بما لنا من رصيد حضاري قديم اعتقد إننا أولى الناس بالتواصل مع الآخر وان اختلفنا معه لان إنكار من تختلف معه أو إقصاؤه لن يلغيه فليس هناك من يعيش في عالمنا بدون الآخرين الذين يجب أن يتعلم ويلزم نفسه بالتواصل معهم لان ذلك هو الخطوة الأولى في ممارسة الديمقراطية الفعلية وليست الديمقراطية الخطابية التي برعنا فيها حتى صار العالم يسخر منا فحين ننكر وجود مظاهرات تعارض حكم العسكر بالشوارع بينما العالم كله يصورها ويعرضها على شاشاته ونحن معتمدين على الاكتفاء بتسليط كاميرات فضائياتنا على نهر النيل وكأننا نصدق أنفسنا فتلك للأسف طريقة عقيمة لا تحل مشكلة حل المشكلة يبدأ بالاعتراف بها ومناقشتها وطرح الحلول بعد دراسة أبعاد كل حل من حيث إيجابياته وسلبياته لاختيار الاصوب هذا إن كان من يديرون الدولة الآن صادقين في الخروج من الأزمة التي تمر بها مصرنا الغالية لأننا لا يمكن أن نعتمد على مد أيدينا للآخرين ولا يمكن القبول باستبدال دائن بآخر لان الحل يكمن فينا كمصريين.
إذا لابد أن نؤمن أن حلول مشاكلنا لابد أن تأتى من داخلنا ولا مكان لغرور قوة أو حشد ولنسعى إلى سلام مجتمعي حقيقي لان اى منصف إذا تأمل ما يحدث بين المصريين الذين تميزوا طوال عمرهم بالطيبة والوداعة يجد بوادر انشقاق شديد في مكونات المجتمع برعاية سلطة لا تسمع إلا بإذن واحدة ولا ترى إلا بعين واحدة مر على وجودها ستون يوما لم نرى مؤشرا واحدا يثبت إننا نسير إلى الأفضل الذي لن يتم إلا بإشراك الجميع ولا يتخيل البعض أن نفاق الجيش ودعوته إلى الخوض في حكم البلاد بل ودعوة البعض للفريق السيسي بالترشح لرئاسة الجمهورية وكل ذلك بهدف محو فصائل أخرى من الوجود وتلك للأسف ميكيافلية سياسية بعيدة كل البعد عن الأطر الأخلاقية بل والتاريخية لاستقرار اى نظام فإذا كنا نريد أن نعبر من عنق الزجاجة لابد أن نبدأ بميثاق الشرف الإعلامي والكف عن إتاحة الفرصة لبعض الجهلاء للحديث باسم مصر برعونة لا يدفع ثمنها إلا مصر من عينة ما صرح به احدهم المعونة على الجزمة فهل هذا حوار أم سباب وارجعوا إلى السيد منير فخري عبد النور واسألوه كم الخسائر التي تعرض لها اقتصادنا نتيجة نعراتنا الإعلامية تجاه تركيا وصب لعناتنا عليها وعلى اردوغان ليلا ونهارا دون أن يكلف احدنا نفسه قبل الخوض في هذا الغمار ماذا سيكلفنا ذلك وتلك التكلفة ستقع على كاهل من وطبعا للأسف هذا افتراض يجب أن يتحلى به كل مسئول إعلامي وهو المسئولية بالإضافة للمصداقية لأنك تستطيع أن تعبر عن وجهة نظرك دون إسفاف أو ألفاظ خارجة مثل التي يتبارى فيها إعلام المرحلة الآن.
نسمع دعوات على استحياء لضرورة وقف المظاهرات لتستقر البلاد دون أن يكلف احدنا نفسه لوزن الأمور فمع رغبة الجميع من المصريين في الاستقرار فيجب أن نخاطب السلطة الحاكمة إذا كنتم تريدون إيقاف المظاهرات فأين مصداقيتكم في ظل حملات الاعتقال لفصيل بعينه والتمكين لفصيل آخر مثلما نرى في لجنة الخمسين مثلا وأين تقصى الحقائق في الجرائم التي تمت من 30 يونيو وحتى الآن ومن المسئول بشفافية وتحقيق مستقل عن الأرواح و الدماء التي أريقت سواء من إخوان أو رجال شرطة تلك هي المقدمات التي تشير إننا كدولة ونظام نبحث عن استقرار وليس كما يتصور البعض أن الغلبة الأمنية و السيطرة كفيلين بجلب الاستقرار لان غرور القوة الذي يتبادله أركان النظام الآن لا ياتى بالاستقرار ويا سادة رجاء صدقوا أن العالم يتفرج علينا ويرى فشلنا بل انه من العيب أن تسعى فرنسا إلى الوساطة وقبلها أمريكا لان نتحاور مع بعضنا من خلالهما فهل وصلنا إلى ذلك لابد أن يسال النظام نفسه ويعيد تقييم مواقفه أم أن هناك مصري محب لبلده لم تجرحه تصريحات السيد سعود الفيصل بخصوص المساعدات السعودية لمصر فرغم أن الرجل لم يخطئ إلا أننا في جرحنا هذا لا نلومن إلا أنفسنا.