وصل الجنرال ديفيد بترايوس القائد الأمريكي الجديد إلي أفغانستان بدلا من الجنرال المتمرد ستانلي ماكريستال، وبقدر ما طبعت تصريحات الجنرال المستقيل العقول والنفوس بأن هناك أزمة تواجه الإستراتيجية الأمريكية في أفغانستان فإن قرار الرئيس الأمريكي الناجز بتنصيب ديفيد بترايوس علي وجه السرعة أعطي علامة اعتبرها الكثير من المعلقين والمحللين أنها إنجاز لسياسته الخارجية. تصريحات أوباما بأن وجوه الجنرالات تغير، بيد أن الإستراتيجية راسخة وثابتة كما هي وتصريحات وزير الدفاع الأمريكي بأننا لسنا في مستنقع ولسنا في حرب لا يمكننا أن نحقق النصر فيها، سعت قدر الجهد أن تستوعب صدمة التصريحات التي أطلقها مهندس الإستراتيجية الأميركية في أفغانستان ستانلي ماكريستال، وتقول إن الإستراتيجية الأمريكية في أفغانستان ماضية في طريقها. يراهن الكثيرون علي ما يطلقون عليه القدرات الإبداعية للجنرال الجديد ديفيد بترايوس والتي ظهرت في العراق واستوعبت موجات العنف الطائفية والأهلية وموجات عنف تنظيم القاعدة وسهلت إمكانية الخروج من العراق وتسليم المهام الأمنية للقوات العراقية إلي حد ما، وتتعاظم الآمال علي أن يقوم الجنرال الجديد بدور حاسم في أفغانستان يمكنه من تحقيق النصر، وهو ما قاله فعلا يوم توليه منصبه بشكل رسمي وتقديمه لنفسه كوجه جديد في معركة أفغانستان الطويلة التي استمرت أكثر من تسع سنوات، ففي يوم الاحتفال بعيد الاستقلال الأمريكي الذي يوافق 4 يوليو، وفي السفارة الأمريكية في كابول وبزيه العسكري قال "نحن في مهمة صعبة وليس فيها شئ سهل ولكننا بالعمل نستطيع أن نحرز التقدم ونحقق هدفنا المشترك"، إن كل ما جري حتى اللحظة الراهنة يمكن أن نصفه بمرحلة استيعاب صدمة الجنرال ماكريستال وتجاوزها بمجئ الجنرال بترايوس، وبين الجنرالين كيف ستكون الإستراتيجية والعمل في الميدان هذا دائما هو السؤال، فبعد التصريحات وأخذ اللقطات والتعامل مع نافذة الإعلام والعالم والجمهور الأمريكي والعالمي ماذا سيكون عليه الأمر مع واقع بالغ الصعوبة والتعقيد في مناطق ثلاثة ساخنة هي أفغانستانوباكستان والعراق وإيران أيضا؟ هناك مسألة نفسية في الموضوع فقادة أفغانستان وعلي رأسهم كرزاي كانوا علي علاقة قوية بالجنرال ماكريستال، بينما علاقتهم ليست علي ما يرام مع الأشخاص الذين انتقدهم ومنهم السفير الأميركي في كابول " كارل إيكنبري"، والمبعوث الأمريكي لأفغانستان "ريتشارد هولبروك "، والذي يتعامل مع كرزاي "بطريقة الإملاءات المتعالية وبشكل عصبي ، وهنا كيف يستطيع الجنرال الجديد أن يكسب ثقة الرئيس الأفغاني المراوغ الذي يتلاعب بمقدرات الإستراتيجية الأمريكية في بلاده ، وخاصة أن كرزاي لديه مشروعه فيما يتصل بالتعامل مع الحرب في أفغانستان وهذا المشروع يعتمد علي حوار مع طالبان برعاية المخابرات الباكستانية. تحدث مسئولون أميركيون عن إمكانية تعديل في بعض التفاصيل المتعلقة بتكتيكات الحرب في أفغانستان وخاصة ما يتعلق بموعد انسحاب القوات الأمريكية في أفغانستان العام القادم، فقد أشار بترايوس أن ذلك سيكون بداية وليس نهاية ومن ثم فإن ذلك الموعد لن يكون واقعيا، كما أن الجنرال الجديد سيفتح الباب واسعا لاستخدام القوة علي نطاق واسع حتى في مواجهة المدنيين والتي كان ماكريستال يقيدها، وهو ما يعني أن إستراتيجية كسب العقول والأفكار ستنهار في أفغانستان خاصة وأن منح الأمل والثقة للشعب الأفغاني في أن قوات الإيساف في بلاده لتحقيق صالحه هي جزء مهم من إستراتيجية نقل المهام الأمنية للقوات الأفغانية فبدون شعب يقف خلف جيشه لن يمكن لهذا الجيش أن ينجح في مهمته. وطالبان يتسع نطاق وجودها في بلد كبير تبلغ مساحته أكثر من نصف مليون كم، وذات طابع معقد من الناحية الجغرافية والديموجرافية وهي ماضية في شن هجماتها علي القوات الأمريكية وحلفائها بنجاح كبير لحد أن شهر يونيه الماضي هو الشهر الأكثر دموية في تاريخ الحرب في أفغانستان منذ بدايتها ، وعلي صعيد الوضع في باكستان فإن الحكومة الباكستانية وخاصة رئيس أركانها " أشفق أكياني " كانوا علي علاقة جيدة بالجنرال المستقيل ستانلي ماكريستال، ومع اهتزاز صورة الإستراتيجية الأمريكية فإن باكستان سارعت بالمضي قدما لحوار مع طالبان يرتب له جهاز مخابراتها ليكون لها موطئ قدم راسخ في أفغانستان بعد رحيل القوات الأمريكيةوأفغانستان هي الرئة الإستراتيجية والحيوية لباكستان في صراعها مع خصمها اللدود الهند، وهذا تحد آخر يواجه ديفيد بترايوس، وفي العراق فإن الثقة تهتز بأمريكا بقوة خاصة بعد تركز الاهتمام الأمريكي بالانسحاب السريع من العراق وتحول الاهتمام لأفغانستان بينما تتسلل إيران لتعمق نفوذها في ظل انقسام سياسي قد يفتح البلاد علي احتمالات عنف وعدم استقرار سياسي.