أصبح الخوف و التربص من سمات المجتمع المصري في تلك الآونة التي نعيش أحداثها بكل ترقب و حذر ، الكل يخاف من الكل ، لا أحد يأمن على نفسه و لا ذويه ، ما من أحد أحادثه إلا و هذا موقفه و حذره ، الحمد لله أن وصلنا إلى بيوتنا بعد رحلة عمل مليئة بالتوجس ، الحمد لله على سلامة ابني الذي لم يوقفه بلطجية لنهبه أو سلبه ، الحمد لله على سلامة هذا الملتحي الذي استطاع أن يصل إلى مقر عمله أو يرجع إلى بيته بشتائم و سباب فقط . لا مجال لرجل شرطة يستطيع أن يؤدي عمله بين شعبه في دورية أو غيرها إلا بترسانة من الاسلحة أو بجمع غفير من أترابه الجنود المدججين بالسلاح ، الشرطة تحيط أقسامها بمدرعات و آليات و جنود مراقبة بآلات قنص فوق أسطحها ، الضباط لا يتحركون إلا بلباس مدني أو بين جنودهم ، و في ذرافات و جماعات لعملية معينة للقبض على أحد المطلوبين و جلهم بالملابس المدنية من شدة خوفهم من الناس و من المتربصين بهم . أما الملتحون و المنتقبات الذين اختاروا التأسي بالنبي صلى الله عليه و سلم و زوجاته أمهات المؤمنين و التزموا سيرة هؤلاء الأخيار على الأقل في سمتهم و هديهم الظاهر فقد أصبحوا أهدافا للمجتمع يسبونهم على أقل تقدير أو يؤذونهم بالقول و الفعل و قد يصل إلى التنكيل و البطش بهم دون جريرة بل و القتل أحيانا ، استطاع الاعلام الماكر الخبيث أن يبث في عقول الناس بغضهم و التخويف منهم فأصبحوا خائفين في ذواتهم مخوفين لغيرهم في معادلة يصعب حلها على من له عقل سليم و تدع الحليم حيران. الرابح من كل هذا المشهد الكئيب هم البلاطجة أو الشبيحة و قد خلا لهم الجو ، و الشرطة من فرط خوفهم من الشعب و عدم القيام بواجبهم في دوريات حماية الأمن أطلقوا لهؤلاء العنان يعيثون في الأرض فسادا يبحثون عن صيد ثمين أو ابتزاز أو إتاوات أو تجارة مخدرات تباع على قوارع الطرق دون حسيب أو رقيب. أليس فيك يا بلد رجل متنفذ رشيد شجاع يأخذ على عاتقه انقاذ ما يمكن انقاذه مما سببه الانقلاب على شرعية الرئيس المنتخب و ما تبع ذلك من أهوال و دماء و جروح عميقة لا تندمل بسهولة. أليس في مؤسسات الدولة من يبادر إلى لم الشمل و التنازل لصالح الوطن و المواطن. ياشعب مصر إن الاسلاميين الذين يشوههم الاعلام هم هم جيرانكم ، لم يؤذونكم في يوم من الأيام و لم تروا منهم إلا عونكم على حياتكم ، و كأني بهؤلاء و أنا أنظر إليهم يجمعون الصدقات و يوزعونها على فقراء الأحياء لا يفرقون بين طائفة من الناس دون أخرى ، و كأني أراهم رأي العين و هم يرسمون البسمة على أفواه الأيتام و الأرامل و الثكالى ، و كأني بأطبائهم و مستوصفاتهم الخيرية و هي تعالج مرضاهم و تصرف لهم الأدوية مجانا أو بأسعار رمزية ، و الناس من حبهم تدعو لهم بالبركة و الخير و النماء ، فما الذي حدث أيها القوم حتى تخافونهم و يخافونكم ، ما هذه الثقافة الكئيبة الغريبة علينا التي قذفها الاعلام الفاسد في قلوب الناس. أتذكر ضابطا في أمن الدولة و هم يضربون مفاصل العمل الاجتماعي في أوائل تسعينيات القرن الماضي و قد حقق بعضهم مع بعض الملتزمين في تهمة توزيع الصدقات المالية و العينية على الفقراء و المحتاجين و هو يقول لأحدكم أليس في مصر وزارة للشئون الاجتماعية فيرد عليه إننا لا نستطيع أن نرى أقواما يموتون من الجوع من حولنا و نستطيع أن نقدم لهم العون و المساعدة و نحفز الأغنياء على الصدقة و التبرع و لا نفعل ، و هذا واجبنا من ديننا فيرد عليه هذا المأفون بقوله اتركوهم يموتون ما لكم و لهم ، اتركوهم للدولة التي لا تفعل لهم شيئا ، ثم نفاجأ بأن هؤلاء هم عمدة من يسبون و من يشتمون و من يتهمون هؤلاء المحسنين ، و من يحرضون على قتلهم و الشماتة في شهدائهم ، و العجيب أن حسناتهم ما زالت عالقة بهم ، فأي عدل و أي احسان (( هل جزاء الاحسان إلا الاحسان )) و لا منة لأحد فالفضل و المنة لله و رسوله. أيها الحكام الجدد ، انزعوا من قلوبكم الكره و البغض لطائفة من شعب مصر لم ير الناس منها إلا الخير و إن رأيتموهم أخطأوا فليس أحد بمعصوم ، انزعوا من اعلامكم ثقافة الحقد و الكراهية و رمي الناس بالباطل ، تراجعوا و عودوا إلى رشدكم فالعود أحمد ، أدركوا مصر قبل أن تهلكها الكراهية و الأحقاد و الاقصاء. لا يمكن أن تحل مشاكل مصر بقهر طائفة من الناس و سلب إرادتهم و إذلالهم و تغييبهم و نفيهم و إقصائهم ، و هم طائفة معتبرة لهم وزنهم الاجتماعي و الديني ، ما هكذا تبنى الدول إن كنتم تريدون أن تبنوا دولة العدل و الكرامة و الحرية و التقدم . حافظوا على مصر و على بناينها الذي يكاد ينهدم و عقدها الذي أوشك أن ينفرط ، و أمنها الغائب المسلوب ، إنها مصر التاريخ و الجغرافيا ، مصر الثقافة و الحضارة ، مصر العروبة و الاسلام ... أم يبدو أنها كبيرة عليكم