إذا كان الخروج الحزين لمنتخبات عريقة مثل ايطاليا حامل اللقب وفرنسا ثانية المونديال الماضي من الدور الاول ، وانجلترا من الدور الثاني ، هي المفاجأت الابرز في مونديال جنوب افريقيا ، فإن سقوط منتخب السامبا المصنف الاول عالميا في قائمة الفيفا ، والمرشح الاول للفوز باللقب بالأمس في ملعب نيلسون مانديلا بمدينة بورت اليزابيث ، كان أقوي المفاجأت المدوية في المونديال ، عندما تمكن منتخب الطواحين الهولندية من بعثرة راقصي السامبا ، وفازوا عليهم 2/1 في مباراة تاريخية .. نهض الهولنديون من عثرتهم في البداية ، وجاءوا من الخلف إلي الامام ليعوضوا التقدم المبكر للبرازيليين ، ويتفوقوا عليهم وليفرضوا سيطرة وهيمنة برتقالية في مختلف أرجاء المباراة ، ويلغوا عوامل التفوق البرازيلية وأولها دفاعه الصلب بقيادة لوسيو وجوان ، وتوازن خط وسطه ، وفعالية هجومه . وقد سبق لي أن وصفت قوة دفاع السامبا ، قبل المباراة ، بأنهم قد يتحولون إلي مصارعي" سومو" أقوياء وثابتين في مواجهة الهدير الهولندي، ولكن قلبي الدفاع البرازيلي لوسيو وجوان اللذين لم يخسرا معا سوي 3 مباريات طوال خمسين مباراة لعباها معا ، تحولا بالأمس إلي نقطة ضعف ، وخاصة في الارتقاء وإبعاد الكرات العالية ، وحسم الخطورة بعيدا عن منطقة مرماهما ، ويبدو ان لوسيو وجوان ، تحولا فعلا إلي مصارعي سومو في البطء والسلبية وافتقاد المرونة وسوء التنظيم للدفاع وعدم التفاهم مع حارس مرماهم جوليو سيزار، ومن هنا كانت الكارثة ، حيث فقد فريق السامبا ميزة الصلابة الدفاعية لدرجة ارتكاب أخطاء قاتلة ، جاء من إحداها الهدف الاول بلمسة رأسة خاطئة من مدافع الوسط فيليبي ميلو داخل مرماه ، ثم الهدف الهولندي الثاني ، من ضربة ركنية تناقلها الهولنديون بحرية مرتين في منطقة الست ياردات ، أولا علي رأس كاوت الذي مررها للخلف علي رأس زميله المتألق شنايدر فأسكنها المرمي مسجلا الهدف الثاني . وسبق لي قبل المباراة الحديث عن موقف وخطة مدربي الفريقين دونجا وفان مارفيك ، وقدرة الثنائي البرازيلي لويس فابيانو وروبينيو في دعم نجم الفريق كاكا وامكانية تألقه ، وكذلك دعم شنايدر وفان بيرسي للنجم أرين روبين، وقلت ان كفاءة هؤلاء الثلاثي في هذه الناحية او تلك ستحدد الطرف الفائز .. وماحدث كان تفوق الجانب الهولندي بالفعل ، لان المدرب مارفيك ، كان أكثر تركيزاً في قراءة المباراة والتعامل معها وتعديل أخطاءه ، فقد أوحي للاعبيه بالتراجع الدفاعي واحترام المنافس واللعب بحذر لدرجة استقبال المرمي الهولندي لهدف ساذج ومبكر في الشوط الاول وسط اربعة مدافعين مرت الكرة من بينهم بسهولة الي روبينيو الذي انفرد وسجل ، ولكن مارفيك نفسه قام بتعديل تكتيكه بالتحول إلي الهجوم ومباغتة السامبا قبل نهاية الشوط الاول ومنذ بداية الشوط الثاني وتحقق له التفوق والمبادرة ، أما ثلاثي نجوم الفريق الذين أشرت إليهم ، فقد تألقوا وخاصة روبين الذي أزعج الدفاع البرازيلي وتسبب في إنذار الظهير الايسر باستوس ثم خروجه قبل ان يتعرض للطرد، كما تسبب في طرد لاعب الوسط المدافع ميلو وكسب العديد من الركلات الحرة في منتصف ملعب السامبا وشغل معظم لاعبيه عن التقدم للهجوم ، كما عاونه بقوة شنايدر الذي تسبب في هدف وسجل الثاني وحصل علي لقب نجم المباراة ، كما برز فان بيرسي وزميله كاوت في تحركات ايجابية اربكت وسط ودفاع السامبا ، بالاضافة الي تميز فان بوميل ودي يونج في تحصين الوسط الهولندي ، كما تألق الحارس وخط الدفاع في إبطال مفعول فابيانو وروبينيو داخل منطقة جزاء هولندا ، وكذلك في إبعاد معظم خطورة كاكا إلي وسط الملعب ، فلم يصنع شيئاً سوي تسديدة واحدة مع محاولات يائسة كانت تنتهي بإبعاد الكرة منه . وفي المقابل ، فيبدو أن دونجا لم يكن موفقا في تشكيله للفريق وخاصة في الاعتماد علي فيليبي ميلو العائد من الايقاف ، لانه أفسد الامور بتسجيله هدفا في مرماه ، ثم تعرضه للطرد بعد اعتداء عنيف علي روبين ، ولم يجد دونجا بديلا يعوض ايلانو ، ولم يكن موفقاً في عدم تغيير استراتيجيته بعد الهدف المبكر ليكثف الهجوم ويستغل الاندفاع الهولندي ، ولم يجد دونجا حلا لعدم تماسك خط وسطه المكون من الثلاثي جيلبرتو سيلفا وميلو وداني الفيش الذين تراجع مستوي ادائهم ، وكان كاكا يعيش حالة رعب من الحصول علي إنذار،ولذلك تجني الدخول في أي التحام ولم يلعب دوراً في مساندة خط وسطه نهائيا . وأخطأ دونجا في تغييرين اولهما المسارعة بإستبدال الظهير الايسر باستوس خوفا من طرده وذلك قبل تسجيل هولندا الهدف الثاني ، مما أعطي روبين المزيد من السيطرة في هذه المنطقة ، وكان يمكنه تحريك لاعب مثل سيلفا لدعم باستوس ، وكان قراره الثاني الخاطيء سحب رأس الحربة فابيانو ، وفريقه مهزوم والدفع بالاحتياطي نيلمار بدلا منه ، وكان لابد من اللعب في ذلك الوقت برأسي حربة للضغط علي المرمي الهولندي .. وهكذا خسر دونجا رهانه علي الدفاع وفقد تركيزه في ادارة المباراة وتراجع مستوي لاعبيه ، فخسر المباراة وخرج مبكراً نسبياً من معركة اللقب الذي كان الاقرب له منطقيا بترشيح الجميع .. ومتي كان هناك منطق في كرة القدم !! عزالدين الكلاوي