عندما يريد أحد أن يستمع إلى الأغاني فإنه يختار المطرب المفضل لديه بين جموع منهم باتت تجع بهم الساحة الفنية الآن، لا تشكل كلمات الأغاني أو ألحانها مصدرًا للاختلاف أو معيار للانتقاء في وقت السماع، فقط يكفيه أن من سيصدح بصوته هو المطرب المرغوب في سماعه، وكم من معارك شهدتها ساحات الفضاء الإلكتروني من خلافات بين معجبي هذا المطرب وذاك، حيث يتمترس كل معجب خلف مطربه المفضل، ويتبارون جميعًا للدفاع عنه وإظهار محاسنه. تشهد مصر الآن حالة من هذا التمترس والتباري بين أبناء الوطن الواحد، فريق يؤيد 30 يونيه وكل ما أعقبها من نتائج.. معتبرًا إياها ثورة شعبية يجب أن يعترف بها العالم، وفريق يرى أن ما حدث هو انقلاب عسكري، شارك فيه النخبة الليبرالية وفلول نظام مبارك، من خلاله أطاحوا بكل ما حققته ثورة 25 يناير من إنجازات، وأضاعوا على مصر أول تجربة ديمقراطية حققتها في تاريخها الحديث.. بل في تاريخها بالكامل ! أيًا ما كان التوصيف الدقيق لما حدث، وما سيترتب عليه من نتائج، فإن ثمة نتيجة واحدة هي التي تعنينا في هذا الوقت الآن، وهي مصر ومستقبلها المجهول، والذي يزداد غموضًا مع مرور الوقت دون الوصول إلى حل توافقي يرضي كل أطراف الأزمة، وينزع فتيلها مانعًا انقسامًا حادًا بين أبناء الوطن، بغض النظر عن أعداد كلا الفريقين.
إن الحل الأمني خيارٌ صعب، خاصة أن الأسر والعائلات المفجوعة لن تنسى ما ألمّ بأبنائها، فثمة أجيال جديدة قد تنشأ على الكراهية المدفوعة بالتاريخ الكاتم الذي نصنعه الآن، وحينها قد لا يجدي استخدام المزيد من الحلول الأمنية أو الرصاص والغاز المسيل للدموع، إننا بحاجة ماسة إلى حل سياسي توافقي يجمع ويشمل كل المصريين دون استثناءات، مطلوب من العقلاء وأصحاب الضمائر من الوطنيين الحقيقين، وليس المزعومين الذين صنعتهم الصدفة أو الفضائيات، أن يتدخلوا من أجل مصلحة مصر قبل أي شيء.
هم مطالبون الآن بأن يقوموا بدور "الملحن" الذي يتعامل مع أكثر من مطرب، فيرضون جماهير عدة مطربين في آن واحد، وتذكروا دائمًا بأن الجلوس إلى الحوار هو الحل الوحيد الأبقى في كل النازعات، فلا حروب تدوم، ولا أمن أو سلام يفرضه السلاح يستمر للأبد!