(1) القصاصة الصحفية التى بين يدي الآن يرجع تاريخها إلى يوم 7 نوفمبر سنة 2005، ومصدرها العدد450 من جريدة "الأسبوع" المصرية، الصفحة الثالثة كاملة.. أقرأ بعضا منها كنموذج.. حيث تجرى العناوين الرئيسة على هذا النحو: معركة 2005على إيقاع التزوير.. حياد الحكومة الكذّابة التى لا يصدّقها أحد.. بلطجة.. نقل أصوات.. ترغيب وترهيب.. رشاوى.. هذا التحقيق الصحفي الذى قام به تسعة من الصحفيين فى سبع محافظات يبدأ بهذه العبارة: " التزوير فى الانتخابات كان [فى السابق] يتم عند صناديق الاقتراع وأثناء فرز الأصوات أما فى انتخابات 2005 فإن التزوير بدأ مبكرا قبل أن تبدأ المرحلة الأولى من الانتخابات (رغم تأكيد الرئيس مبارك على أن الانتخابات ستكون حرّة ونزيهة ...). والعبارة الأخيرة هى مربط الفرس فقد تكررت قبل انتخابات مجلس الشورى الأخيرة.. كما تكرر تزويرالانتخابات ربما بصراحة أكبر وبلا مواربة، كما يتضح من تصريحات قيادات الحزب الوطنى الذى تباهى أحدهم بقوله إن الحزب الوطني لديه مؤهلات تجعله يحصل على الأغلبية فى انتخابات الكونجرس الأمريكي .. ولست أدرى حقيقة إذا كان الرجل يهزل أم أنه جاد فيما يقول..! على كل حال هو أعلم بقدرات حزبه الخرافية فى عالم التزوير.. والمغزى الحقيقي هنا هو أن هذه عينة لما سيحدث فى الانتخابات القادمة للرئاسة ولمجلس النواب أو أي مجلس آخر.. السيناريو واحد: وعود ثم نكوص.. فالوعود الأسطورية بالحياد والنزاهة والشفافية فى أى نظام استبدادي بوليسي يحكم الشعب بقوانين طوارئ لا تساوى ثمن المداد الذى كتبت به...! على كل حال ليس موضوع الانتخابات هو موضوع هذا المقال إنما هو استمرار لمناقشة عبارة الرئيس فيما يتعلق بفتح معبر رفح .. فقد أثرتُ مجموعة من الأسئلة ولم أُعْنَ بالرد عليها.. ربما لأن إجاباتها أوضح لدى القراء بحيث وجدت أن الخوض فيها تحصيل حاصل .. خصوصا وأن الأحداث اللاحقة بعد التصريح بيوم أو يومين أثبتت بما لايدع مجالا للشك أن حكاية فتح معبر رفح مسألة شكلية لامتصاص غضب الناس المتوقع ولا يقصد بها حقيقة فك حصار الجوع والموت عن غزة االذى أصبح من الواضح أنه فعلا [حصار إسرائيلي مصري] وكان الشاهد قافلة مصغرة صحبت مجموعة من أعضاء المعارضة فى البرلمان المصري.. صودرت محتوياتها خاصة الأسمنت والحديد كما توقّعتُ تماما .. وعاملت السلطات عند المعبر أعضاء البرلمان معاملة المجرمين والمهربين(على حد تصريح واحد منهم) دون أى اعتبار لحصانتهم البرلمانية ولا لكرامتهم الانسانية.. وهكذا [عادت ريمة لعادتها القديمة..]وهناك مثل شعبي آخر يقول: ( وذيل الكلب ما ينعدل ولو علّلقت فيه قالب...). ويجرى الآن نشاط على قدم وساق.. أطرافه: إسرائيل ومصر والسلطة العباسية.. ويُراد جَرّ اليونان إليه [كدولة أوربية].. وذلك لإعادة التشكيلة القديمة التى كانت تشرف على معبر رفح حتى لا تظل مصر وحدها فى وجه المدفع عارية من أى غطاء تتستر به.. وفى نظرى أهم عنصر فى هذا الخبر هو انبعاث محمد دحلان الصديق الأكبر لإسرائيل الذى كان يترأس جهاز الأمن العباسيّ فى غزة من مقبرة النسيان إلى صدرالنشاط الجديد...! .. (2) تعليقا على ماذكرته فى مقالى السابق بالنسبة لمشروع تعمير سيناء أرسل إلي أحد القراء رسالة مطوّلة عن هذا الموضوع هو الأستاذ محمد نصر.. أثار فيها عددا من الحقائق الهامة التى تؤكد عندى عبثية الموقف المصرى.. وتكشف عن عمق الفساد الذى يبلغ حد التطابق الكامل مع مختطات إسرائيل المستقبلية فى الامتداد والتوسّع الاستيطاني نحو سيناء .. وكثير من الحقائق التى أشار إليها تتوافق مع رؤى لكُتّاب آخرين ألخّصها فى النقاط الآتية: النقطة الأولى: صدور قرار [غريب] بتغيير مسار ترعة السلام من وسط سيناء إلي أقصي شمالها، بحيث تكون بمحازاة ساحل البحر المتوسط وهو ساحل غير صالح للزراعة لزيادة نسبة الكالسيوم في تربته.. ويرى الكاتب أن هذا هو الذى أدى إلى توقف الأعمال بمشروع ترعة السلام، إضافة إلى عدم توفّرالتمويل اللازم لإنشاء ترع جانبية تحمل المياه إلى المناطق الصالحة للزراعة.. ولكنى أضيف إلى هذا السناريو خبرا آخر لعله يلقى الضوء على سر تحويل مجرى ترعة السلام ..! يقول الخبر المنشور فى صحيفة القدس الفلسطينية وفى عدد من المواقع الإلكترونية الأخرى: "تلقت أمانة السياسات بالحزب الوطنى مذكرة سرية أعدها عضو بالمجلس المصرى للشؤون الخارجية، تكشف عن خطة إسرائيلية جديدة لتوصيل مياه النيل إلى الدولة العبرية، مقابل التزامها باستكمال مشروع قناة [جونجلى].." والمفهوم أن مشروع قناة جونجلى فى جنوب السودان كان مقصودا به إمداد مصر والسودان بكميات إضافية من مياه النيل الأبيض تزيد عن خمسة مليارات متر مكعّب تهدر بلا ضابط فى المستنقعات الهائلة بالجنوب.. هذا المشروع متوقف منذ فبراير سنة1984.. رغم أن نسبة ماتم إنجازه من المشرع بلغ 70% من أعمال الحفر.. [فى هذه الأثناء كانت إسرائيل تعمل بكل همّة على ترسيخ نفوذها فى منطقة منابع نيلنا ، بينما مصر مشغولة بسفاسف الأمور فى الخارج وقمع المظاهرات وتزوير الانتخابات فى الداخل..] ولأن إسرائيل الآن قد أصبحت فى وضع المهيمن على دول منابع النيل الأبيض والأزرق جميعا.. بحيث يمكنها أن تمنع أو تسمح باستئناف العمل فى مشرع قناة جونجلى.. يعنى باختصارهى تقول: إعطنى مياه ترعة السلام فى الشمال.. أعطيك مياه جونجلى من الجنوب...! ويأتى الآن دور التساؤل المحيّر: هل توقّفُ مشروع إعمار سيناء وتحويل مسار الترعة إلى الشمال مرتبط بمخططات مستقبلية تسير بخطوات بطيئة خطوة خطوة.. وجزءًا جزءًا.. حتى يسهل ابتلاعها بالتدريج..؟! ليس عندى إجابة حاضرة الآن.. وربما يكتشفها القارئ قبل أن أصل إليها...! . يقول محمد نصر وكأنه دون قصد يجيب على هذا التساؤل: إن نقل الترعة إلى الشمال لا بد أن يغرى سكان وسط سيناء وكلهم من الرعاة المتنقلين ... أن يهاجروا إلى الشمال للاقتراب من مصدر مياه ترعة السلام وهذا يعنى تفريغ وسط سيناء من السكان وإعطاء فرصة لليهود للتمكّن منها...! النقطة الثانية: أشير إلى كلام ورد على لسان الدكتور محمود شريف، وزير التنمية المحلية الأسبق الذى يقول: "إنه يجب عدم إهدار ثروات سيناء الحالية، والاستفادة بتصنيعها، موضحًا أنه للأسف يتم تصدير خامات الرخام والرمل الزجاجي إلى الخارج بقروش، حيث يتم تصنيعه، لتشتريه الدولة بالملايين..!" و يتبع ذلك سؤال بريء هو: لماذا لا يتم تقديم حوافز للمستثمرين لتشجيعهم على إقامات صناعات تعدينية هناك وتوفير آلاف فرص العمل ..؟! النقطة الثالثة: يرى اللواء محمد عبد الفضيل شوشة، محافظ جنوبسيناء، أن ما يتردد عن مشكلة المياه في سيناء ليست مشكلة كبيرة يمكن أن تعوق مشروع تعمير سيناء، مشيراً إلى أن المنطقة تضم مساحات شاسعة من الأراضي الخصبة، والتي في حاجة إلى كمية قليلة من المياه لاستزراعها، وهي حوالي 400 ألف فدان. وقال «هناك في سيناء نوع من الاكتفاء الذاتي في الخدمات التي تغنيها عن الاحتياج لأي خدمات أخرى، كما يوجد بها بحيرة البردويل، وهي من أجود البحيرات في العالم للاستغلال السمكي، إضافة إلى خامات معدنية تزيد على 14 نوعاً من الخامات النادرة في حاجة إلى استخراجها.. وأضيف إن إسرائيل لديها مسح كامل لكل مافى باطن أرض سيناء هو نتيجة حفر وأبحاث قامت بها خلال ست سنوات من احتلالها، وهى تعلم أن ثروات سيناء إكثر بكثير مما يتطلع إليه خيال أحد.. وقد تطرّقت إلى هذا الموضوع فى مقال سابق... النقطة الرابعة: ندع المحافظ المندهش جانبا لنرى ماذا قال عباس الطرابيلى منذ بضعة أعوام فى مقال له بعنوان " تعثّرتنمية سيناء مسئولية من؟" يقول: "أتذكرأنني قرأت منذ أكثر من عام إعلاناً نشره المهندس يحيي فودة أحد المستثمرين في المشروع القومي لتنمية شمال سيناء، يتحسر علي المليارات التي بلغت 3600 مليون جنيه علي البنية الأساسية لمساحات هائلة من الأراضي، علي أعلي مستوي.. فما الذي يؤخر طرحها للبيع أو للاستثمار، أو الاستغلال، هل ننتظر حتي تطمرها الرمال من جديد؟!. والله.. لو كانت الحكومة قد نفضت يدها من المشروع، فلا أقل من استغلال ما تم منه، وأن نسترد بعض ما أنفقناه من بنية أساسية.. أم سوف يلحق كل ذلك بخط السكة الحديد من القنطرة إلي العريش الذي غمرته الرمال، والمحطات التي أنشئت ثم تحولت إلي بيوت للأشباح..؟!" النقطة الخامسة: من الأمور العجيبة فى سيناء أيضا .. أن مشروعًا بحجم [منجم فحم المغارة] تتركه الدولة بعدما أنفقت عليه مليارًا و600 مليون جنيه دون استخراج طن فحم واحد من المنجم.. وتمضى القصة على هذا النحو: في سنة 1982 تم افتتاح المنجم، وأشارت الدراسات البريطانية إلى أن الإنتاج سيبدأ ب125 ألف طن سنويًا.. وفى عام 1987 يصل الإنتاج إلى 600 ألف طن لمدة 30 سنة، وقامت شركة بريطانية بعمل دراسات الجدوى بمشاركة هيئة المساحة الجيولوجية وهيئة التصنيع والتعدين وشركة النصر، وعلى أساس هذه الدراسات قررت الحكومة البريطانية إقراض الحكومة المصرية خمسين مليون جنيه إسترليني منها 12.5 مليون منحة لا ترد، والمفاجأة أنه في 2005 تم الإعلان عن إيقاف المشروع وتصفية الشركة وتسريح 600 عامل، وبلغت الخسائر مليارًا و600 مليون جنيه دفنت فى التراب، بينما فوائد القرض البريطاني ما تزال سارية حتى الآن. [ والسؤال هو لماذا شرعت الدولة فى مشروع كبير كهذا أنفقت عليه الملايين ثم أغلقته وأهدرت الملايين..؟!] النقطة السادسة: نشهد فيها إجهاض مشروع الطريق العلوي الذي كان سيربط السعودية بسيناء رغم أن السعودية كانت ستتولى تمويله بالكامل..! هذا المشروع (حسب كلام محمد نصر..) من المؤكد أنه كان سيساهم إلى حد كبير في تنمية سيناء وتوفير دخل كبير جدا لمصر وفرص عمل لأبنائها. النقطة السابعة: بعد أن فشلت الحكومة في مد خط السكك الحديدية بين الواديوسيناء، ورفضت عرضا سعوديا لتمويل جسر يربط العالم العربي بشقيه الشرقي والغربي، قامت بخطوة أخيرة لعزل سيناء، وذلك عن طريق تبوير أراضي الحدود بين مصر وغزة عمدا.. لإقامة جدار فولاذي عازل لا يخدم أحدا إلا الأطماع الصهيونية في سيناء. وباكتمال هذا الجدار تصبح سيناء (حسب كلام محمد نصر أيضا) معزولة عن كل محيطها إلا العدو الصهيوني، وبذلك ينفتح الطريق أمامه واسعا لاستيطان سيناء. (3) مثل هذا العبث أثار غيظ الكثير من الخبراء والمستثمرين، خصوصاً أن قرار تنمية سيناء صدر عام 1994، ولكن لم ينفذ منه على الأرض حتى هذه اللحظة سوى 20 بالمائة مما هو مستهدف، وعلى الرغم من الصمت الذى التزمت به الحكومة التى لا ترد على اى سؤال يُطرح حول هذا الموضوع، فإن الاجتهادات والاتهامات لم تتوقف حول تجميد المشروع القومي لتعمير سيناء، فقد رأى البعض أن الحكومة لن تستطيع أن توفي بوعدها الذي حدد فترة انتهاء مرحلة التأهيل الكامل، وتنفيذ الخطة عام 2017، حيث الخطة المرسومة تتضمن استزراع وتنفيذ 400 ألف فدان، وتوطين حوالي 3 ملايين نسمة من سكان الدلتا المكتظة بسكانها..وتلك لعمرى نقلة إجتماعية وحضارية وأمنية لا تقدر بثمن لأنها تقع فى صميم تدعيم الأمن القومي والحفاظ على سلامة مصر من الزحف الإسرائيلي القادم لآ محالة.. (4) توجد نقطة لم يتنبه إليها أحد ممن كتب عن سيناء ومشروعها المهدور وهى أن إقامة مجتمع جديد يتألف من كتلة سكانية ضخمة من الشباب تصل إلى ثلاثة ملايين نسمة قابلة للزيادة.. مع الأخذ فى الاعتبار مقاييس سيناء التاريخية والأمنية الحساسة.. وعاداتها القبلية المتمردة على القمع والاستبداد.. وبتراكمات العداء بين سكانها وبين القمع البوليسي الغاشم [تحتاج للسيطرة عليها إلى قوات أمن كبيرة لا تقل عن مليون فرد مزودة بالسلاح والمدرعات.. وهنا يبرز السؤال: هل تسمح الاتفاقات المعقودة.. أوهل تسمح إسرائيل وأمريكا بوجود هذا العدد الهائل من الرجال المسلحين ووجود المدرعات بصفة خاصة على أرض سيناء...؟! أوشكت أن أسأل لماذا يحدث كل هذا.. ولأى هدف.. ولكننى أصبت فجأة بالملل.. ورأيت أن كل شيئ يدور فى سيناء وحولها.. حتى الأسئلة عبث فى عبث...! ولكن يلح على عقلى سؤال أخير يؤرّق نومى لا بد أن أتخلص منه قبل أن أطرح الموضوع ورائى: هل الإرهاب الأمني للمواطنين المصريين فى سيناء.. وترويعهم .. بالاعتقالات والتعذيب وامتهان كرامة النساء.. كلها مصادفات عفوية أم أنها جزء من خطة لتطويع سيناء لغزو جديد.. سوف يطلقون عليه [تحرير سيناء من الاحتلال المصري ..؟!] من لا يصدق أحيله إلى ماكتبته عن كسوفا فى هذه النقطة بالذات.. فالذى يجرى في سيناء اليوم صورة طبق الأصل للفترة التى سبقت الغزو الصربي لكوسوفا سنة 1912.. وقد سماه الصرب أيضا [تحرير كوسوفا من الاحتلال العثماني..] شاعر لا أعرف إسمه ينشد كلاما ليس من عيون الشعر ولكنه مناسب للحال يقول فيه: أيا دهرُ قد عَمِلت بنا أذاكا :: وولّيْتنا بعد وجهٍ قفاكَ قلبتَ الشِّرار علينا رؤوسًا :: وأجلست سِفْلتنا مستواكا فيا دهر إن كنت عاديَْتنا :: فها قد صنعت بنا ما كفاك وأستغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم ... [email protected]