بعيدًا عن مجريات الأحداث، وتداعياتها، وتوقعاتها، وما ستئول إليه.. ينبغي على جماعة الإخوان المسلمين أن تدرك جيدًا أنها في حاجة حقيقية وملحة ومصيرية إلى ثورة حقيقية تنقذها من الانهيار المحتوم لدورها كجماعة دعوية في الأساس، ثورة تنقذ مشروعها الأساسي الذي قامت على أساسه منذ نشأتها، وهو مشروع إقامة دولة الخلافة الراشدة أو الحكومة المؤمنة.. وينبغي على قادة هذه الثورة التي أطالب بها.. أن يقدموا للمجتمع مشروعًا دعويًا وسياسيًا جديدًا.. يهدم الشكل التقليدي للجماعة والذي تحول مع الوقت إلى شكل مقدس أو هيكلية مقدسة غير قابلة لمسايرة التطور البشري، والاجتهادات البشرية التي انتهت إلى شكل الدولة العصرية.. دولة المؤسسات والدستور والقانون.. والذي يعتقدون بدورهم.. أنه الطريق الوحيد إلى هيكلية مقدسة أخرى تتكون من خليفة يجمع معظم سلطات الدولة في يديه، ويجب على جميع المسلمين أن يدينوا له بالولاء والطاعة.. بالإضافة طبعًا إلى أهل الحل والعقد من الوجهاء والعلماء والأعيان وغيرهم.. وكلا الشكلين أو الهيكلين تجاوزهما الزمن بخطوات بعيدة، ولا يمكن بالتالي إعادة عقارب الزمن إلى الوراء.. فضلاً عن عدم وجود أية قدسية لهذين النمطين من الهياكل السياسية سواء المكونة للجماعة أو للدولة الإسلامية فيما بعد.. فالخلافة في جوهرها مبادئ وقيم وسلوك وأخلاق يتحقق بشكل أكثر من خلال الدولة العصرية التي انتهى إليها البشر.. طبعًا مع أسلمة تلك الدولة من حيث الإبقاء على كل ما يتفق مع مقاصد شرعنا الحنيف من قيم الدولة العصرية الحديثة، وإضافة واستكمال كل القيم والمبادئ والأخلاق والسلوك الذي تفرد به الإسلام والذي يمثل خصوصية لديننا الحنيف. ليس أمام جماعة الإخوان المسلمين إلا التخلص من كيان الجماعة نهائيًا والتي أصبحت سيئة السمعة، وغير متسقة مع دولة الدستور والقانون ودولة المؤسسات.. والعمل من خلال آليتين اثنتين يتم من خلالهما تحقيق مشروع الخلافة بكل أهدافه ومبادئه وقيمه وأخلاقه وسلوكه.. وبشكل أكثر إثراء للفكر والدعوة والسياسة، وأكثر اتساعًا واستيعابًا لكل أبناء الأمة الإسلامية على اختلاف مناهجها ومذاهبها. أولاً: إنشاء جامعة إسلامية عالمية تضم كل التخصصات الشرعية والعلمية والنظرية، وتكون بمثابة منارة إسلامية دعوية تخرج كل عام مئات المتخصصين في العلوم الشرعية، وكذلك آلاف الخريجين الذين يتحقق من خلالهم ما كان يحلم به الشيخ حسن البنا رحمه الله.. وهو تكوين المهندس المسلم والطبيب المسلم والمحامي المسلم.. إلى آخره.... وبذلك يتم إثراء الفكر الإخواني بكوادر دعوية متخصصة وتعويضها عن الفقر الفكري والدعوي الذي تعاني منه منذ سنوات طويلة.. ومن خلال هذه الجامعة الإسلامية.. ستمارس كل الأنشطة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والكشفية والرياضية بشكل علني بعيدًا كل البعد عن السرية تمامًا.. ويتحقق من خلالها وحدة إسلامية تقيم ولاءها وبراءها على أساس مدى الالتزام بالإسلام وحده، وتتخلص الجماعة من أسوأ ما انتهت إليه من إضرار بالمجتمع الدعوي.. وهو أخونة الإسلام ذاته، وتلوينه بشكل وصبغة معينة تفصلها نفسيًا عن بقية أفراد المجتمع الإسلامي.. إلى آخر ما يمكن أن تقوم به هذه الجامعة الإسلامية من بحوث واكتشافات وتشجيع للبحث العلمي في كل التخصصات. ثانيًا: التعامل مع حزب الحرية والعدالة كحزب سياسي قوي ومنافس لكل الأحزاب بشكل أكثر شفافية واستقلالية وبعيدًا عن تقديس الممارسات والآراء والأفكار والاجتهادات السياسية.. وإجراء انتخابات شفافة وحقيقية تعبر عن إرادة حقيقية تستطيع أن تنتخب رئيسًا قويًا يقود الحزب بصفته رئيسًا حقيقيًا وليس مجرد خيال مآتة أو تابع لإرادة الجماعة كما هو الحال الآن.. وهذا من أكثر مثالب الجماعة أنها تلغي شخصية كوادرها مهما كان حجمهم.. كما حدث مع مرسي أثناء توليه الحزب بل وعندما أصبح رئيسًا للجمهورية.. وكما حدث بعد ذلك مع سعد الكتاتني ونائبه.. فكلها كانت قيادات كرتونية جعلت من الحزب أيضًا حزبًا كرتونيًا لا قيمة له.. إذ ظل مكتب الإرشاد يقود العملية السياسية برمتها على طريقة التنظيمات السرية حتى وهم يملكون السلطة. والإنسان يندهش حقيقة من هذه الازدواجية التي دفعت بالإخوان إلى إنشاء جمعية وهمية يتحايلون بها على قانون الجمعيات الأهلية، وهو نوع ممقوت من أنواع الكذب والتدليس الجماعي المفضوح، فالكل يعلم أنها مجرد جمعية وهمية.. فإذا كان المزاج السياسي لقادة الإخوان، وعلى رأسهم المرشد، هو مزاج سياسي بحت ليس له إلا علاقة سطحية للغاية بالإسلام.. إذا كان المرشد ومكتب الإرشاد لا يشعر بأهميته ولا بوجاهته إلا وهم يمارسون السياسة.. فلماذا لا يلتحقون بالحزب ويحتل كل منهم مكانه الطبيعي في الحياة السياسية وبشكل معلن وشفاف.. والأكثر اندهاشًا أننا لم نسمع أحدًا من هؤلاء يتحدث في أمور العقيدة أو العبادة أو السلوك أو الأخلاق أو القيم طيلة حكم مبارك ثم بعد الثورة.. فهم يمارسون الدين من أجل خدمة السياسة وليس العكس.. ويعتقدون أن الحكومة الإسلامية هي الأساس الذي سيصل بهم إلى مرحلة الاستخلاف والتمكين.. دون أن يفرقوا بين التمكين الروحي والقيمي، وبين التمكين المادي.. ولذلك أصبح جل تفكيرهم منصرفًا إلى التمكين المادي الذي سيفرضون من خلاله الحكم الإسلامي والتصورات الإسلامية على الناس بالقوة.. بينما هم في الحقيقة مفلسون روحيًا وعلميًا.. وكأنهم يؤكدون مقولة انتشار الإسلام بالسيف وليس بالحجة والدعوة والبرهان. أعرف أن التخلص من شكل الجماعة التقليدي له مخاطره على كينونة دعوة الإخوان.. ومرجع ذلك الخطر هو ضعف الكوادر الدعوية والفكرية التي تتخفى خلف إرث تاريخي وجماعة منظمة أقرب إلى الهيئة الاقتصادية منها إلى الجماعة الدعوية.. وأعرف أن هدم الأصنام لاسيما المعنوية والتاريخية صعب على النفس جدًا.. ولكنه الطريق الوحيد لإحياء فكرة الخلافة الإسلامية وتطوير شكلها التقليدي ليتوافق مع مؤسسات الدولة العصرية التي يتقلص فيها دور الخليفة.. ويحل محلها الطاعة النوعية لمؤسسات الدولة.