ظهرت السيدة أم أحمد زوجة الرئيس المعزول محمد مرسي على منصة "رابعة العدوية" قبل صلاة عيد الفطر فأشعلت الميدان بكلمتها المغموسة بالإيمان والصبر والاعتماد على الله سبحانه وتعالى والتسليم بإرادته والاطمئنان بعودة زوجها حيث كررت مع ألوف المعتصمين " مرسي راجع، راجع، بإذن الله". ظهرت السيدة أم أحمد بملابسها المحتشمة الجميلة وهي في غاية البهاء والطمأنينة النفسية والثبات والصمود، كما هو صمود المعتصمين في "رابعة" و"النهضة"، وصمود المتظاهرين في محافظات مصر أمام هجمات فرق البلطجة الموجهة عليهم. ظهرت السيدة أم أحمد ووجهها تكسوه نضارة ومسحات من التفاؤل والأمل بأن المحنة إلى زوال، وأن المكر السيئ يحيق بأهله، ولذلك قالت: "مهما يكيد الكائدون، أو يغيظ الغائظون، أو يدبرون ويمكرون، فالمكر من العباد يقابله مكر الله الأشد، لأنه الأكبر والأقوى، الله ينصر أولياءه وجُنده وحزبه، ونحسب أننا من حزب الله الغالبين، أنا ببلغكم سلام الريس ليكم، أنا لم أره ولم أسمعه، لكني أعلم جيداً ما في قلبه لكم". الموقف الذي تعيشه السيدة أم أحمد ليس جديدا عليها، وإن كان كبيرا وضخما هذه المرة، فقد تعودت على الحياة وسط الأزمات، واعتادت أن زوجها - قبل أن يكون رئيسا - عرضة للتهديد والاعتقال بسبب انتمائه السياسي، وبالتالي فهي لا تخاف، ولا تقلق، بل هي مطمئنة إلى قدر الله وإرادته، ولهذا بدت واثقة وراسخة وهي على منصة "رابعة". هذا الظهور المفاجئ يجعلني أقارن بين السيدة نجلاء أم أحمد زوجة مرسي، وبين السيدة سوزان أم علاء زوجة مبارك. لم نر السيدة سوزان ولا مرة منذ إسقاط مبارك، لكن الذين رأوها قالوا إن صورتها وهيئتها تغيرت تماما عما كانت عليه خلال وجود زوجها في السلطة ، وقالوا إنها بدت أكبر من سنها الحقيقي بكثير، وأنها حزينة، ومن يراها لن يصدق أنها هي تلك السيدة الأنيقة التي كانت تظهر في الإعلام ولها سطوة ويسير خلفها الوزراء والكبراء. بالطبع لابد أن يخيم الحزن والهم عليها بعد الخروج من أبهة السلطان إلى جحيم القضبان الذي يقف خلفه زوجها وابنيها، ولابد أن تبدو أكبر من عمرها بعد زوال الملك، وانطفاء الأضواء، وانتهاء تزلف المتزلفين، ونفاق المنافقين، وهذا هو دأب الحريصين على السلطان في كل زمان ومكان، إما القصر، أو القبر ، وقد تكون الحياة من غير سلطان بالنسبة لهم مثل القبر، أو أشد وحشة منه. لكننا طالعنا السيدة نجلاء بعد نحو 40 يوم من احتجاز زوجها في مكان غير معلوم عنها فبدت بالشكل الرائع الذي رأيناه عليها، لا تغير في الصورة، ولا الهيئة، ولا ملامح للحزن والألم والحسرة، ولا كبر في السن من غير أوان، إنما تماسك وصبر وقدرة مميزة على الحديث المنظم، والحفظ المتقن لآيات القرآن الكريم . ربما أحد الفوارق بين السيدتين، أن زوجة مرسي لم تسع يوما للسلطة، ولم يرد هذا الخاطر على ذهنها أبدا، بل غالبا كل ما كان يشغلها ألا يُعتقل أو يُسجن فقط، وربما هي لم تفرح بمجيء السلطة لأنها قانعة راضية بأن تبقى سندا ودعما لزوجها في مساره السياسي والعلمي، وبالتالي عندما تفقد السلطة سريعا فهي لا تحزن ولا تنهار ولا تجزع. أما زوجة مبارك فقد تنبأت لها عرافة وهي صغيرة السن أنها ستكون يوما ملكة على عرش مصر، وقد صارت ملكة بالفعل لمدة 30 عاما، ولم تكتف بذلك، بل أرادت ألا تخرج الملكية من بيتها وأسرتها فجاهدت لتوريث نجلها ملك مصر، وفي هذا الطموح الخطر كانت النهاية المأساوية للأسرة كلها، وهنا لابد أن تكون للحسرة مساحة كبيرة في الحياة. سوزان لم تبتعد عن مبارك بعد خروجه من القصر في 11 فبراير 2011، فقد ظلت إلى جواره في قصرهما بشرم الشيخ، ثم بالمستشفى الفاخر بنفس المنتجع بعد صدور قرار حبسه، ثم معه أيضا بعد نقله إلى محبس آخر سوبر في المركز الطبي العالمي، ولما حُكم عليه بالسجن، ونُقل إلى مزرعة طرة فإنها تزوره باستمرار ودون معوقات، أما زوجة مرسي فإنها حرمت منه، فلم تره، ولم تسمع صوته منذ احتجازه في مكان غير معلوم لها، أو لأي أحد، وكأنه أخطر مجرم في العالم، وليس رئيسا منتخبا جرى الانقلاب عليه. يُعامل مبارك صاحب أسوأ تجربة حكم لمصر مدتها 3 عقود بطريقة جيدة، بينما يُعامل مرسي أول رئيس مدني منتخب بنزاهة ولم يقض سوى عاما واحدا في الحكم بطريقة غامضة تبعث على القلق ، أليس احتجازه بمكان سري ومنع الزوار عنه وخصوصا زوجته وأولاده وأهله وأحبابه هو أمر مزعج؟!. تحياتي إلى زوجة مرسي الصابرة، وتهنئتي لها بالعيد، وتهنئتي لأمهات الشهداء، شهداء الثورة منذ 25 يناير وإلى اليوم ، شهداء الجيش والشرطة ، شهداء مصر، ليحفظ الله مصر ولتُحل الأزمة بسلام ،ولا تسقط قطرة دم أخرى عزيزة من مواطن مصري، ولتختفي الكراهية والبغضاء والأحقاد وليعود الحب والود والتلاحم الوطني والإنساني بين الجميع. آمين يارب العالمين. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.