انتهز فرصة انقطاع التيار الكهربائي وظهر لي , دهشت لمنظره ولم أعرف هل يبدو مخيفا أم مضحكا لكنه بالتأكيد كان مختلفا , سألته ماذا تريد؟ لم يرد بل أخذ يغير في شكله وهيئته , أعدت السؤال منذرة :إذا لم تقل ماذا تريد سوف أتركك وأنصرف , انكمش وقال بصوت مبحوح : عجبا ألم تخافي؟ لم أرد ولكن نظرت تجاهه بملل وهممت بالانصراف , انكمش أكثر واستوقفني راجيا : أريد أن أعرف لماذا لم أخيفك ؟ هل ضعفت قدراتي إلي هذا الحد ؟ قلت له: لا وقت لدي للخوف من أمثالك . قال متحديا : لكنك بالفعل تخافين , أولادك وزوجك وظروف حياتك كثيرا ما أثارت مشاعر الخوف والقلق لديك , قلت له: في هدوء أنا لا أخاف منهم بل عليهم ربما لا تفهم الفرق لكنه فارق كبير أنت تخاف من المخلوق عندما تخشي أن يلحق بك الأذي لكنك تخاف علي من تحب عندما تخشي أن يؤذي نفسه ولأنك تشعر بمسئولية كاملة تجاهه فلا يمكنك أن تتركه وشأنه , وتظل تحاول تقويمه ودفعه للصواب , وهو للأسف يقاومك ولا يفهم المخاطر التي يعرض نفسه لها وكلما اقترب من حافة الخطر تصاعد الخوف حتي يصل لمرحلة الفزع والرعب , فإذا يئست من المخلوق لجأت متضرعا للخالق وعندما يشملك برحمته تهدأ نفسك قليلا , وما تلبث أن تدخل في دائرة جديدة من دوائر القلق والخوف . قال متعاطفا : أحاول أن أفهمك ولكن هل فقدت الإحساس بالخوف علي نفسك؟ وكيف قابلتني بكل هذا الهدوء واللا مبالاه ؟ قلت له : لم أكن أتوقع رؤيتك , ولكن يبدو أن مشاعري قد دربت علي مواجهة المخاطر ليس داخل أسرتي ومحيطي الاجتماعي فقط , بل علي المستوي العام أيضا , هل تقرأ الصحف ؟ هل تشاهد نشرات الأخبار؟ هل تعلم كم الكوارث التي أصيبت بها بلادنا في الفترة الأخيرة بدءا من عبارة الموت التي ألقت ألف شخص فريسة للموت هلعا و غرقا , هل تعلم أن أحلامهم الغارقة واستغاثاتهم الأخيرة لوثت مياه البحر بلون آلام الأرواح المؤرقة؟ أما قبور الأحياء المعروفة بالمعتقلات فهي تضج بأنين المقهورين وتردد صدي نحيب أهاليهم .. هل ..سكت فجأة فقد.لاحظت أن العفريت انكمش بشدة وشحب لونه وأصبح شكله مثيرا للشفقة سألته ماذا بك ؟ قال وهو يحاول التماسك لا شئ , ولكن يبدو أن مستقبلي صار مهددا , فبعد جرعة الأحداث المؤلمة التي تعايشونها كل يوم لم يعد لي دور في حياتكم . وأصارحك أنك كنت فرصتي ومحاولتي الأخيرة فقد فشلت مرات عديدة في الفترة الأخيرة وتوقعت أن إنسانة طيبة رقيقة الحس مثلك لابد أن يبدو عليها ولو قدرا يسيرا من الفزع لرؤيتي . قلت : كن صريحا يا عزيزي العفريت أنت كنت تستعرض مهاراتك الكاسدة وقدراتك التي لم تعد مؤثرة علي أم خوافة ومتعاطفة مثلي ولو كنت أعلم أن ذلك مهما بالنسبة لك لجاملتك مثلما أجامل الجميع , لكن نصيحتي لك لقد امتلأ واقعنا بعفاريت آدمية ومخاوف حقيقية وكوابيس نراها يقظة لا مناما وآن لك الأوان لتستريح . قال لي العفريت في استسلام نعم جاء وقت الاعتزال ولابد أن أسلم أن في البشر من هم أمهر مني , وفجأة انقشع وتبددت صورته دون أن أتمكن من وداعه علي الأقل هو استمع لي باهتمام . عاد التيار الكهربائي وسمعت صوت زوجي عاليا يناديني لمشاهدة أحدث مشاهد تفجيرات سيناء علي شاشة التلفزيون المرعبة . [email protected]