"ماذا حدث لليبراليين الشباب في مصر؟" سؤال طرحة الكاتب الأمريكي جاكسون ديل في مقال بصحيفة الواشنطن بوست قال فيه أنه قبل خمس سنوات كانت الحركة الليبرالية الشابة بمصر من بين أكثر الحركات الواعدة في العالم العربي، غير أن غالبيتهم العظمى اليوم يهتفون لجنرال عسكري جديد، هو الفريق عبد الفتاح السيسي، الذي قاد الإنقلاب على أول رئيس مدني منتخب والذي أصبح أحد نجوم الملصقات المنتشرة في القاهرة إلى جانب عدد من الدكتاتوريين العسكريين السابقين مثل جمال عبد الناصر وأنور السادات. وقال ديل أن هذا التحول المذهل الذي أصاب الليبراليين المصريين الشباب غير مسبوق في تاريخ الحركات الشعبية المؤيدة للديموقراطية، مشيراً إلى أن حركة التضامن البولندية وتلك المناهضة لبينوشيه في تشيلي لم تكونا لتحلمان بإحتضان جلاديهم السابقين. غير أنه قال أن الدفاع الوحيد عن ديموقراطيي مصر السابقين هو أنهم على عكس نظرائهم في مناطق أخرى حول العالم كانوا يقاتلون على جبهتين، فهم لم يكونوا فقط يتصدون للديكتاتورية المدعومة عسكرياً ولكنهم كانوا يحاربون أيضاً ضد حركة إيديولوجية هي جماعة الإخوان المسلمين التي بدت عازمة على إحتكار السلطة. فكان الأمر أشبه بمحاولة تحدي كلا من بينوشيه وحزب لينين الشيوعي في نفس الوقت. وتابع ديل قائلاً أنه على الرغم من أن الليبراليين الشباب هم من أشعلوا ثورة 2011 ولكنهم كانوا دائماً أضعف من الجيش والإخوان المسلمين، فهم أقل ثراءا، وأقل تنظيماً، وأقل إنضباطاً. كما أن التجارب الإنتخابية الخمسة التي خاضتها مصر في أعقاب الثورة أثبتت أن الليبراليين لهم حضور ضئيل في أوساط الفقراء وسكان الأرياف خارج القاهرة. وأضاف أن الليبراليين الشباب في مصر إضطروا في نهاية المطاف لإحتضان محمد البرادعي، المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، كقائد لهم وهو الخيار الذي وصفه ديل ب"الكارثي" قائلاً أن البرادعي "متعجرف ومغرور ويصلح أكثر لصالون في فيينا وليس في أحياء القاهرة الفقيرة"، مشيراً إلى أن إستطلاعات الرأي أظهرت أن الأرقام الضئيلة التي حصل عليها البرادعي في إستطلاعات الرأي أجبرته على الإنسحاب من السباق الرئاسي في العام الماضي. بوجود مرشحهم خارج المنافسة وجد الليبراليين أنفسهم مجبرين على الإختيار ما بين مرشح الجيش ومرشح الإخوان في جولة الإعادة بالإنتخابات الرئاسية، فإختار أغلبهم مرسي بعدما إلتقى وفد من قادتهم الشباب بالمرشح الإخواني وحصلوا منه على وعود بأن تتضمن حكومته وزراء علمانيين وأن يتم كتابة الدستور الجديد للبلاد بالتوافق بين الأحزاب الإسلامية والعلمانية. وقال ديل أنه على الرغم من أن مرسي وفى ببعض تهداته ولكن حكومته أصبحت إنعزالية بشكل متزايد وأكثر ميلاً للتعصب مع دخولها في معارك مع بقايا نظام مبارك في مؤسسات الدولة والشرطة والقضاء. فتم محاكمة الصحفيين الليبراليين بتهمة "إهانة الرئيس"، وإعتقال عدد من قادة الثوار الشباب لحشدهم لمظاهرات في الشوارع. ويرى الكاتب أنه كان ينبغي على الليبراليين الإنتظار والتنظيم للإنتخابات البرلمانية التي كان من المفترض عقدها في غضون شهور قليلة، خاصة وأن إستطلاعات الرأي كانت تظهر تراجعاً سريعاً لشعبية الإخوان. ولكنهم أخذوا الطريق السهل فاجتمعوا كقادة المعارضة العلمانية مع كبار قادة الجيش قبل شهور من الإنقلاب والذين وعدوهم بأنهم سيستجيبوا للمظاهرات الحاشدة في الشوارع بالإطاحة بمرسي، وفقاً لما ذكرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية. ومرة أخرى يقول الليبراليين أنهم حصلوا على وعود من شركائهم الجدد: تعديل سريع للدستور تليه إنتخابات حرة ونزيهة. وقال ديل أن الليبراليين المنتشين من نجاح "ثورتهم الثانية" أقنعوا أنفسم بأن الجيش سينسحب من الحياة السياسية وأن الإسلاميين لن يفوزوا مجدداً بإنتخابات أخرى. وفي الوقت ذاته يجلس البرادعي كنائباً للرئيس في حكومة تحتجز المئات من السجناء السياسيين بمعزل عن العالم الخارجي، وتغلق وسائل الإعلام الإسلامية وقناة الجزيرة، وتقتل برصاصها العشرات من المتظاهرين العزل في الشوارع، مشيراً إلى أن النتيجة التي وصل إليها الليبراليين الشباب المثاليين في مصر هي تماما ما لم يكونوا يتمنوه قبل 5 سنوات.