نتذكر جميعًا ما حدث في مايو عام 2007، حينما أقبل وزير الزراعة الياباني «توشيكيا اتسومامتسوكا» على الانتحار شنقًا، بمجرد شعوره بالذنب لوجود مخالفات مالية وعقود مزورة لم يتأكد يقيناً ضلوعه فيها. وفي فبراير عام 2012، استقال الرئيس الألماني كريستيان فولف من منصبه، بعد ما طلب المدعي العام الألماني رفع الحصانة عنه بسبب اتهامات له بقبوله خدمات. بعدها أعلن فولف فى بيان صحفي له يقول "شعرت بالإهانة بعد هذا الاتهام"، وأضاف: "ولهذا السبب لم يعد بإمكاني أن أتولى منصب الرئيس في الداخل والخارج كما ينبغي". يحدث ذلك فى بلاد تحترم شعوبها.. أما فى مصر فالوضع يختلف تمامًا عن الدنيا بأسرها، فالوزراء عندنا جاءوا بقرار وبقدرة قادر أصبحوا صامدين كالجبل لا يهزهم ريح، فلا تنفع معهم انتقادات، ولا تشفع لديهم أرواح تزهق، ويعتبرون كل تعقيب على قبولهم المنصب أو على أدائهم من قبيل قلة الأدب أو من قبيل الفهم الضيق للأمور من شعب لا يعرف قدرهم أو من جماعة الإخوان المسلمين التي لم ولن تعترف بهم، وكل بطء فى قراراتهم بمثابة الحكمة والتأنى وعين العقل، وكل ضياع لحق شهيد أو إهدار آدمية المتظاهرين وعدم الاكتراث بهم هو من قبيل "إجراءات قانونية"، حتى عندما نجد الشارع مشتعلاً ومصر منقسمة على نفسها بشكل لم ولن نراه من قبل، نجدهم وكأنهم ليسوا من مصر ولا في مصر، إنهم من دولة أخرى ويرتبون الحقائب الوزارية، وكأنهم يرقصون على جثث وأشلاء شهداء الوطن الذي ليسوا هم فيه أو منه تمامًا، كما حدثت الفاجعة التي تسببت في ضياع هيبة الدولة قي الداخل قبل الخارج، فكان سفر النشطاء الأجانب المتهمين في قضية التمويل الأجنبي – رغم التصريح الشهير لن تركع مصر أبدًا - وجاء عدم الركوع ممتطيًا طائرة عسكرية أمريكية هبطت في مطار القاهرة تحت تأمين القوات المصرية قبل أن تغادر سماء المحروسة وعلى متنها 16 متهمًا من المفترض – على حد تعبير الحكومة آنذاك - أنهم كانوا موجودين بمصر لمحاولة تقسيمها إلى دويلات وإشعال الفتنة في أركانها. مرورًا بقضية الأمن، وهي أخطر قضية تهم الشارع المصري الآن, وقد تأخرت كثيرًا إجراءات إعادة بناء جهاز الشرطة، رغم مرور عدة أعوام علي الثورة، وفي ظل أربع وزارات مختلفة.. لم يتم الاقتراب في بيان مما يحدث في الشارع المصري من جرائم وكوارث، سواء على مستوى الأداء الأمني، رغم تقديرنا الشديد لكل مؤسسات الدولة.. إن معظم ما شهده الشارع المصري من عمليات قتل للمتظاهرين ما زال حتى الآن سرًا غامضًا.. لم تكشف الجهات الأمنية والقضائية المسئولة شيئًا عن أحداث جسام، مثل ماسبيرو وبورسعيد والبالون ومحمد محمود ومجلس الوزراء والسفارة الإسرائيلية ومذبحة الحرس الجمهوري وموقعة رمسيس، ولم يعرف المصريون حقيقة هذا الذي يسمونه باللهو الخفي الذي ارتكب كل هذه الكوارث في غفلة من الأجهزة المسئولة كل في مواقعه, حتى في قضية الأزمة الاقتصادية، جاء بيان المالية أن الحالة الاقتصادية آمنة تمامًا، كما تم التصريح من قبل وزراء الحكومة الجديدة أن مخزون القمح تمام التمام، وأن السياحة كانت قد زادت في عهد الرئيس مرسي عن معدلاتها السابقة, ووجدنا أن حكومة هشام قنديل الفاشلة كما كانوا يرددون أنها كانت بتشحت علينا من الدول الخليجية، وبقدرة قادر وجدنا الحكومة الجديدة فعلت نفس الفعلة وشحتوا علينا من باقي الدول الخليجية.. الآن أصبح عندي قناعة أن المشكلة ليست في فشل الحكومة السابقة، وإلا ما كنا سمعنا كل هذا الإطراء على إنجازاتهم، مرورًا بالكروت الذكية لوزير التموين السابق، ولأن جميع المسئولين في مصر يدعون حصولهم على صلاحيات كاملة "لا وجود لها"، فيبدو أنه حتى وقتنا هذا لا نعرف ولا نستطيع الحكم على قناعة الشعب المصري بشقيه عن ماهية طعم ولون ورائحة حكومة الدكتور الببلاوي.