في اللحظة ذاتها التي كان الرئيس حسني مبارك يلقي فيها خطابه بمناسبة عيد العمال، ويتعهد بنزاهة الانتخابات، فان خطابه كان يتعرض لامتحان عسير، في واحدة من محافظات الصعيد، وإذا كان الرئيس قد حمل علي معارضيه، ورماهم بأنهم لا يجيدون إلا رفع الشعارات، فقد بدا أن الحديث عن نزاهة العملية الانتخابية هو مجرد شعارات لا أكثر!. يوم الخميس السادس من مايو القي الرئيس خطابه، وظهر حادا بشكل لم نعهده فيه، وكان الدكتور محمد البرادعي المنافس المحتمل علي انتخابات الرئاسة هو الحاضر الغائب، وقد راعني في هذا الخطاب ما تعهد به الرئيس من ان الانتخابات القادمة ستكون نزيهة، ولان هناك من يتصيدون، فقد هتفوا بأن هذا اعتراف ضمني من الرئيس بأن الانتخابات السابقة لم تكن كذلك، ولم أكن مشغولا بما يشغلهم، ففي هذه اللحظة كان صديقا لي يحيطني علما بأن أحد المواطنين، بدائرتنا الانتخابية، علي اتصال به من مديرية الأمن، وأنهم يرفضون قبول أوراقه للترشيح لعضوية مجلس الشوري، ويقنعونه بأن ينصرف في هدوء، وبعد هذا فشل في الاتصال به. لعب الفأر في صدري، ولم نعثر علي المواطن طيلة هذا اليوم، وفي يوم الجمعة كنت علي يقين من انه يدفع ثمن رفضه الانصراف في هدوء، وأحيانا يتصرف رجال الأمن، علي ان مجرد تقديم الأوراق لخوض الانتخابات جريمة تساوي بالتمام والكمال العمل علي قلب نظام الحكم بالقوة. في الثامنة من مساء يوم الجمعة حسب التوقيت المحلي لمدينة القاهرة، وعلي السادة المقيمين خارجها مراعاة فروق التوقيت، جاءنا الخبر اليقين بأن المجرم العتويل رهن الاعتقال، وانه في قسم شرطة "جهينة"، يتعرض للمساومة بين استمرار حبسه حتي غلق باب الترشيح في الخامسة مساء يوم الأحد، وتسليمهم الأوراق فيضمنوا انه لن يقدم علي جريمته الشنعاء التي تتمثل في الذهاب الي لجنة تلقي الطلبات، التي تقع داخل مديرية الأمن.. انظر الي الحيدة!. " أشرف أبو خبر" الذي جري معه كل هذا ليس عضوا في جماعة الإخوان المسلمين، وليس منتميا لأي تيار أو فكرة سياسية، وهو يترشح علي قاعدة كثير من المرشحين في بلدتي.. والناخبون فيها ليسوا مشغولين بالدور الرقابي والتشريعي لعضو البرلمان، فالمطلوب من سيادة النائب ان يتدخل للإفراج عن مقبوض عليه بموجب قانون الاشتباه أو التحري، ويتم الحكم علي أدائه بمدي قيامه بالواجبات الاجتماعية، لاسيما في تشييع الموتي، وحضور الجنازات. عندما خضت الانتخابات في سنة 2005، قلت للقوم انتم تريدون " حانوتي"، وليس نائبا، ومن المعلوم ان من مات في أيام الانتخابات فهو محظوظ إذ يحضر كل المرشحين جنازته، ولو كان من فقراء المدينة، وقد خشيت لهذا ان نأتي يوم الانتخابات فنجد عموم الناخبين تحت الثري، فمن التركيز علي التشييع والمواساة في فترة الدعاية الانتخابية خيل لي أن من ماتوا وسيموتون في هذه الفترة هم أكثر من عدد المقيدة أسماءهم في كشوف الناخبين.. كل يوم كنا نشيع ميتا إلي مثواه الأخيرة، ثم نذهب لأداء واجب العزاء في السرادق المنصوب لميت الأمس. بالبحث والتحري قالوا لنا ان الأجهزة الأمنية الساهرة علي امن الوطن اكتشفت ان "اشرف أبو خبر" مدان بموجب أحكام صدرت عليه في ثلاثة عشر قضية، وقد كانوا يتصرفون علي أنهم يتعاملون مع " معاتيه"، وربما فوجئوا بالاهتمام، فهم بعيدون عن القاهرة، ولن تهتم وسائل الإعلام بما فعلوا، وكان سؤالي ولنفترض انه " خُط الصعيد"، فلماذا تحولون دون خوضه الانتخابات؟!. اهتم موقع جريدة " اليوم السابع"، وموقع " المصريون" بالأمر، وتم النشر، فتم الافراج عنه بعد ساعات وبعد مصادرة أوراق ترشيحه، ليطرح هذا سؤالا: إذا كان صاحبنا بريئا فلماذا تم إلقاء القبض عليه، وإذا كان مدانا في هذا العدد الهائل من القضايا فلماذا تم الإفراج عنه؟. القصة وما فيها يا قراء، ان الحزب الحاكم، أراد ان يجامل الأقباط في هذه الدائرة، بعد مذبحة نجع حمادي، و بعد الخلاف الذي دب بين نائب الدائرة عن الحزب الحاكم عبد الرحيم الغول والأنبا كيرلس هناك، وقد زار احمد عز أمين التنظيم بهذا الحزب نائبه مؤخرا ليرفع من شأنه، وطلب مقابلة الأنبا ليجري مصالحة بينه وبين النائب، لكن كيرلس رفض استقباله، وقيل ان رفضه كان بناء علي تعليمات من البابا إليه، فهو وحده الذي يلتقي بهذه النوعية من الشخصيات. شباب نجع حمادي المسيحي احتشد داخل الكاتدرائية بالعباسية وهتفوا ضد عز والحزب الحاكم، فاحتد عليهم مجموعة من القساوسة، وقالوا لهم ان البابا يرفض هذه الهتافات.. بعد أيام كان عز في زيارة البابا شاكرا له وقف الهتافات ضده، وليخبره بقرار الحزب ترشيح 4 مسيحيين في انتخابات مجلس الشوري، وكانت دائرئنا من نصيب القوم، وتم استدعاء ضابط الشرطة المتقاعد سليمان صبحي سليمان علي عجل لكي يترشح، بعد ان أغلق " المجمع الانتخابي" للحزب المذكور أبوابه. " المجمع" يهدف الي السيطرة علي المرشحين، وحماية المرشح المختار، فيتم توكيل أمين الحزب بالمحافظة بتقديم أوراق المرشح الذي يقع عليه الاختيار، مع اخذ تعهد علي الجميع بعدم ترشحهم، إذا لم يحالفهم الحظ.. ولأنها إجراءات تتم بالمخالفة للقانون، فقد عمد الحزب الحاكم علي تقديم أسماء المرشحين قبيل غلق باب الترشيح بدقائق، لتفويت الفرصة علي من يقررون شق عصا الطاعة. كان المجمع الانتخابي قد أُغلق علي ثلاثة من بينهم النائب الحالي، ثم فتح من جديد لاستقبال طلب سليمان صبحي سليمان المرشح القبطي، وتم إبلاغ الثلاثة بأنه هو المرشح المختار، وان هذا قرار سيادي، هو نتيجة اتفاق مع البابا، وان من يخرج علي قرار الحزب بالترشح فسوف تغضب عليه "الآلهة"، وحسب معلوماتي ان سليمان قد تلقي التهاني من منافسيه مقدما، لإثبات الحب العذري. لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد جاءت الأجهزة الأمنية لتكحلها فأصابتها بالعمي.. هذا دأبها دائما، فإذا كان من المهم ان ينافس المرشح القبطي علي الانتخابات وينجح في دائرة بالصعيد، فان القوم عملوا من اجل ان يكون اختياره بطعم التعيين، فيتم منع المنافسين، لينجح بالتزكية، والسؤال: ولماذا لم يعينه الرئيس ويا دار ما دخلك شر، وهو يعين ثلث أعضاء مجلس الشوري!. انتخابات المجلس المذكور لا تثير في الغالب اهتمام احد، فالدائرة الواحدة مترامية الأطراف، ودائرتنا هي مجموع ثلاث دوائر دفعة واحدة، هي جهينة، والمراغة، وساقلته، وهناك حالة عزوف هذه المرة عن المنافسة، لاسيما بعد إلغاء الإشراف القضائي علي الانتخابات، والعودة إلي إشراف الموظفين، الأمر الذي يجعل مرشح الحزب الحاكم هو الأقدر علي حسمها لصالحه، لاسيما وانه سيجد المساندة من خمس نواب بمجلس الشعب كل في دائرته. نائب واحد في الدوائر الثلاث الذي ينتمي للمعارضة هو الشيخ محمد عبد الرحمن نائب جماعة الإخوان المسلمين، وهو رجل لا يهش ولا ينش، فضلا عن انه لا يمكن للإخوان ان يضبطوا متلبسين بالوقوف ضد مرشح قبطي، وهم يزايدون في هذه النقطة علي الحزب الحاكم الذي هبط بالدكتور بطرس غالي ليكون ترتيبه الثالث في قائمة الحزب بدائرة غرب القاهرة، في انتخابات سنة 1987، في حين ان علي رأس قائمتهم في نفس الانتخابات بدائرة المرشد العام للجماعة الراحل حامد أبو النصر هو المسيحي جمال اسعد عبد الملاك. ناهيك عن انه سبق لهم ان أيدوا مرشح حزب الوفد منير فخري عبد النور، في مواجهة الدعاية الدينية السلبية التي نسبت لمرشح الحزب الوطني بدائرة الوايلي احمد فؤاد عبد العزيز رئيس لجنة التعليم بالبرلمان.. زارني رحمه الله في مكتبي، وقال ان ما نسب إليه غير صحيح!. هذا فضلا عن ان سليمان صبحي، ليس من سقط المتاع، فوالده الراحل صبحي سليمان كان نائبا عن دائرة المراغة لخمس دورات متصلة، بأصوات المسلمين قبل أصوات المسيحيين، ومع ذلك كان المسيحيون يشكون من استحالة ان ينجح لهم مرشح قبطي بالانتخابات، واستمعت أيامها الي مصطفي الفقي وكان يشغل منصب مدير مكتب الرئيس للمعلومات وهو يبدي في نقابة الصحفيين أسفه، لأنه من الصعب ان ينجح قبطي في الانتخابات، حتي ظننت للوهلة الأولي ان صبحي سقط من الحسابات لأنه ينتمي لمذهب مختلف عن مذهب البابا شنودة، فاكتشفت بعد ذلك بسنوات انه أرثوذكسي مثله.. لدينا أناس يعشقون " الشحتفة" ويستعذبون العذاب. بالورقة والقلم، فان العضوية هي من نصيب سليمان صبحي، وان من يترشح ضده سيكون ترشيحه للشهرة ليس إلا، لكن ما جري مع " اشرف أبو خبر" من تعسف بوليسي غاشم، أثار غضب الناس وانذر بفتنة طائفية، الوطن في غني عنها، وإذا كان " اشرف" كان كالعاجز بعد مصادرة أوراقه، فقد ذهب "السيد أبو ضيف" لتقديم أوراقه أيضا وذلك في اليوم الأخير، ولم يكن في نيته الترشح لكنه ذهب مدفوعا بسيف الغضب.. كنت معه علي الخط لحطة بلحظة.. وقد رفضوا دخوله لمديرية الأمن لتقديم أوراقه، ووقف أمامها أكثر من ساعتين، ولم يكن بامكان القوم ان يقولوا أنهم اكتشفوا أيضا انه مدان في قضايا.. والا لتحول الأمر الي نكتة!. لقد اكتشفت في قانون ممارسة الحقوق السياسية، ان من حقي كناخب الطعن ضد ما يجري، فتقدمت لرئيس لجنة الانتخابات المستشار انتصار نسيم بطعن لفت فيه النظر الي المخطط الذي يرمي إلي إخلاء الدائرة للمرشح القبطي، وهو تصرف ستنتج عنه فتنة لا تصببن الذين ظلموا خاصة، بسبب تصرف ارعن من القائمين علي الحزب الحاكم والذين يقحمون جهاز الأمن في معارك بلا مبرر. في الثالثة والنصف مساء، كان سليمان يتلقي اتصالات هاتفية ممن بيدهم الأمر يهنئونه بالعضوية، التي سيحصل عليها بعد ساعة وبعض ساعة، بالتزكية وبدون انتخابات وبمجرد غلق باب الترشيح قانونا، وفي الرابعة والنصف تغير الموقف ليتم استبعاده واستعادة العضو المنتهية ولايته، وأجهد القوم أنفسهم من اجل إنجاح سليمان صبحي فنجح هو بدون عناء.. "مكتوبة له"، بعد ان تبين لهم خطأ وخطل ما فعلوا. وهذا لا يغير من طبيعة الموقف شيئا، فمنع الناس من ممارسة حقهم في الترشح جريمة أيا كان المستفيد منها، وتؤكد ان الحديث عن نزاهة الانتخابات هو مجرد شعارات للاستهلاك المحلي والدولي. [email protected]