كما أخبرتكم في مقالة أمس عن بداية علاقتي بمولانا الشيخ الأستاذ الدكتور حسن الشافعي، منذ عام 1978م، وأنا أتسلم من يده الجوائز الثلاثة في المسابقة العلمية بجامعة القاهرة، وكلماته المشجعة ودعواته المحفزة.. غير أن الكلام عن سيرته العطرة وكلام الشرفاء والعلماء فيه، أخذني، فلم آت في كلامي كثيرًا على موقفه الرجولي في بيانه الرجولي الشجاع وكلامه القوي في "مجزرة الحرس" وتوجيه كلامه للقوات المسلحة ألا تتدخل في الحكومة والسياسة وعليها حماية الوطن وكلام جميل وقوي جدًا، لا يصدر إلا عن رجل عرف الحق فصدع به، في وقت جبن فيه الكثير ممن يعرفون الحق كما يعرفون أبناءهم، ومع ذلك يكتمونه، حقدًا وحسدًا أو لحاجة نفوسهم، أو خدمة لمن لا يطيق الحق ويريد هدم كيانه، وهم يسلمون بالأمر الواقع لو شابه الخطأ أو جانبه الصواب، وهم يسيرون على مبدأ: "اللي يجوز أمي أقوله ياعمي"!! ذكرني موقف مولانا الشيخ حسن الشافعي العالم الشجاع، بمواقف العلماء النبلاء الكرام في المدلهمات والحوادث الكبار.. وسأكتفي بموقفين شجاعين لشيخين مصريين أزهريين، حُفرا في ذاكرة الزمن، كما حفرا في ذاكرة الشعب الذي لا ينسى الأبطال الشجعان.. أولهما: موقف الشيخ محمد الخراشي، المتوفي عام 1690م أول من تولى مشيخة الأزهر وكان شيخ المالكية في عصره، والحق فالرجل له مواقف كثيرة عديدة، يكفيه أنه كان يذهب مع الرجل البسيط، رث الثياب، إلى الوالي نفسه ولا ينصرف حتى يرجع له حقه منه، مما جعل الناس خاصة العامة تجأر إليه في كل مدلهمة، أو ظلم من السلطان "الحقنا يا خراشي" "أنقذنا يا خراشي"؛ حتى أصبح اسمه مضرب المثل بين الناس، ولا تزال في مصر القديمة وحواريها تسمع من السيدات عندما تسمع إحداهن خبرًا مزعجًا تضرب على صدرها صارخة "ياخراااااااااشي"!!
والموقف الثاني: للسيد العملاق العالم الزاهد الرباني، صاحب التآليف العديدة في الفقه المالكي، الشيخ أحمد الدردير، المتوفى عام 1786م ، وهو صاحب المقام المعروف في المسجد الذي يحمل اسمه الآن، في الباطنية بجوار الأزهر، وكان شيخ المالكية في عصره أيضًا، وكان شيخًا لرواق الصعايدة في الأزهر، فقد دخل عليه والي مصر الجديد المعين من قبل السلطان العثماني، ( خسرو باشا)، وهو في حلقته العلمية بالأزهر وكان مادًا رجليه من طول الجلسة في الحلقة، ولم يلمهما وهو يعلم أن من أمامه هو والي مصر، بجلالة قدره يزور الأزهر في أول يوم لولايته لكسب ود مشايخه وطلبته لعلمه أن الأزهر يمكن أن يجيش الجيوش معه أوضده، والناس في الأزهر ساعتها على قدم وساق، فغضب الوالي جدًا من موقف الشيخ الدردير، حتى هدأه من معه، وقالوا هذا رجل مسكين لا يعرف شيئًا إلا كتبه ولا يعي ما يفعل أو يقول، ثم لما رجع قصره أو سرايته أرسل له مع أحد الأرقاء (العبيد) له صرة نقود ذهبًا، قال له: يقول لك الوالي استعن بها على حاجتك.. فكان رده: "ارجع لواليك وقل له: إن من يمد رجليه لا يمد يديه"! ولعل لهذا الموقف الشجاع- الذي يضرب به المثل في جرأة العالم وترفعه عن رشاوى السلطان- تتمة أخرى، رواها عمنا الكبير المؤرخ الجبرتي عندما عرفنا أن الوالي غضب من الموقف ورد المال وعلم أن الرجل ليس مسكينًا ولا يعي ما يقول، فدبر أمرًا، فعمل وليمة كبيرة في القلعة، ونادى في الشعب أن يحضر إليها الجميع من الوجهاء ورؤساء الطوائف والمشايخ وطلاب العلم، وحذر من يتخلف عنها ليجلدنه أمام الناس؛ لأنه خالف أمر ولي الأمر، وكان مقصده من ذلك الشيخ الدردير لا غير، الذي يعلم أنه لن يحضر لأنه كان يتحرى أكل الحلال والكسب الحلال، وحضر الناس وكان منهم الشيخ الدردير، الذي أجلسه الوالي على يمينه، ثم بدأ في استفزازه، والشيخ لا يمد يديه للطعام ولا يأكل وهو غاضب يتمتم بكلمات غير معروفة فقال له معنفًا: أتعصي ولي الأمر يا شيخ أحمد، أهكذا علمكم كتاب ربكم وسنة نبيكم؟ قال والله ما حضرت إلا لأنني بعدم حضوري لن يحضر مشايخ كثيرون وطلبة علم وسيتعرضون للجلد وإزهاق أرواحهم بسببي، وأنتم تعلمون أنني لا أحب القرب من السلاطين ولا العمل في الدواوين ولا أكل إلا من كسب يدي وأعلم أنه حلال، فانتهزها الوالي فرصة وقال له: أتزعم أن مالنا حرام يا شيخ وليس لديك بينة أو دليل على ذلك؟ وحتى يحرجه ويمسكها عليه فرصة ليتهمه بالقذف، وجه كلامه للمشايخ: معشر الفقهاء أنتم أدرى بعقوبة من يقذف الناس ويشهر بهم بدون دليل أو بينة.. فأجابه الدردير على الفور: إن كنت تريد دليلًا فهاك الدليل، فأمسك حفنة من الأزر الذي في الصحن، ورفعها لأعلى ثم عصرها بيده وقال :"اللهم أظهر الدليل والحجة على عيون الناس"، فنزل منها دم سائل كأنه دم إنسان!!
هذه مواقف العلماء الكبار الذي ذكرني بهم مولانا الشيخ الدكتور حسن الشافعي، وهو يوضح في بيانه كلمة الحق، ويخاطب من بيده الأمر في أمر الدماء التي أريقت على الإسفلت، والأرواح التي أزهقت، ويسمي الأشياء بأسمائها " مجزرة" وأن أصحابها كانوا ركعًا سجدًا، وليس كما أوحى لنا الطرف المعتدي بأنهم "مجموعة إرهابية" قتلتهم من الخلف، وهو أمر يحملهم مسؤولية حمايتهم لو صدقت هذه الرواية، أو أن رصاصات "الحرس" نفسه قتلهم، لأنهم هم أنفسهم كانوا "مجموعة إرهابية" معتدية، وكلتا الروايتين خالية من الصدق والحق الواضح، كذبتها شهادات عيون الناس التي رأت وشاهدت وسمعت وقالت بكل صراحة، مكذبة الكاميرات الكاذبة التي أرادت التلفيق ففشلت.
لقد أثار بيان الشافعي نقاطًا مهمة منها الحرية الدينية التي اكتسبها الناس في عام واحد، مذكرًا بأن رئيس الدولة نفسه (مرسي) كان يسب هو وعائلته وأهله، ولم يغلق قناة أو صحيفة، فيكف مع أول يوم بعد عزله وحبسه، تغلق القنوات الفضائية والصحف المعارضة بهذه الطريقة الفجة، والحجة غير منطقية؛ "لوجود سلاح بها" وهو يعقب: "ربما يقصدون السلاح الفكري". والدستور الذي تعب فيه الكثير وحاز موافقة الأكثرية ولم تعارض الرئاسة يومها على التعديل في بعض مواده، ثم بعد هذا التعب الكبير يلغى تمامًا ويوضع إعلان دستوري يضعه شخص واحد في يوم أو بعض يوم، لا يفي بمطالب الشعب ولا يلبي حاجاتهم، وقد أظهرت طوائف الشعب معارضته من اليوم الأول لصدوره. ثم ما ذكره أيضًا عن المدة الانتقالية التي بدأت بستة أشهر ثم امتدت إلى سنة ثم إلى سنتين في غضون ثلاثة أيام فقط، والله أعلم بعد ذلك إلى متى، وهو يطالب أن تكون أربعة أشهر ونتهي فيها كل الأمور المتعلقة وهي مدة كافية لذلك.
إن رجولة العالم الرباني وخوفه من ربه -كما فعل الشافعي- هي التي جعلته يقول الحق لو كان مرًا، ويعلن براءته من هذه المجزرة ومن فعلها، ويرفض المشاركة في لجنة المصالحة موضحًا كيف أقبل ذلك ولم نضع للمصالحة شروطها وضوابطها وأهم ذلك الاعتذار لذوي القتلى والجرحى وتطييب خاطرهم، ولم يذكر بيان قائد الجيش بعد ذلك كلمة ترحم قتلاهم، أو كلمة تصبير لذويهم.. وكلام جميل تضيق المساحة عنه.. كل هذا صدر من الشافعي في وقت جبنت فيه الألسنة وجفت الأقلام وراحتا الفضائيات، تغني في وادٍ آخر غير وادي الثكالى على القتلى والمكلومين على الجرحى والمصابين، وأصبح الجميع إلا قليلًا يسبحون بحمد القائم على أمر البلاد ويبررون له خطأه، مع الدماء شاهدة على هذا الخطأ، وكأن هؤلاء القتلى (53) والمصابين والجرحى (ألف)، ليسوا من أبناء مصر أو ما يجري في عروقهم دماء ليست مصرية. بارك الله في لسانك وبيانك وجنانك ورجولتك وموقفك العظيم، أيها الرجل العظيم، والعالم الجليل، ونفعنا الله بذلك ويحق لمثلي أن يفخر بتتلمذه على يد "مولانا وأستاذنا وشيخنا الشيخ الأستاذ الدكتور حسن الشافعي".
*************************************************** ◄◄روحانيات الشيخ مصطفى إسماعيل وعذاب المجرمين! ◄أعيش الآن لحظات روحانية مع صوت السماء الخالد الشيخ مصطفى إسماعيل -رحمه الله -وهو يحلق بي في الأفق العالي ويأخذني بقراءته الراقية إلى الملأ الأعلى في سورة إبراهيم. وها هو يتلوها ويذكرني بمصير كل مجرم على وجه الأرض، يوم يقف أمام الله تعالى، بعد أن يظن أنه عمل ما يحلو له في الدنيا وأنه في مأمن من مكر الله وعقابه. اقرأوا الآيات الكريمات:{ وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد، سرابيلهم من قطران، وتغشى وجوههم النار، ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب* هذا بلاغ للناس ولينذورا به، وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب}. وتخيلوا القارئ العملاق الشيخ مصطفى إسماعيل، يقرأها بطريقته الفريدة العذبة التي توصل المعنى لقلبك مباشرة .. لا أملك إلا أن أقول: آمنت بالله رب العالمين، رب الكون كله، ورب العرش العظيم.. دمتم بحب عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.