سيطرت لحظة الخوف على مصر والخوف من أجلها على مشهد أول أمس الجمعة. ظهر كأن البلاد تبدأ الخطوة الأولى على طريق ظللنا نحذر منه بدون ملل أو توقف طوال الشهور الماضية. مشهد الجمعة يثبت أننا كنا ننصح ونحذر من أجل مصر لأن انزلاقها إلى ما لا يعلمه إلا الله بات أمرا واقعا، فالذين تدخلوا لفرض خارطة طريق هي نفسها التي أعلنها مرسي فيما عدا عزله وتعطيل الدستور، ظنوا أن الأمن القومي سيصير بخير بمجرد عزل مرسي، وأن المحتشدين الغاضبين منه الذين نقر بكثرتهم سيعودون إلى بيوتهم وينتهي كل شيء. لم يضعوا في اعتبارهم أن هناك حشودا جديدة لا تنتمي للإخوان ستخرج للشوارع بسبب احتجاز مرسي فقد صار بالنسبة لهم رمزا يبكون من أجله ويتدافعون لتخليصه وهذا أمر معروف في العواطف الجماهيرية والأدبيات الإسلامية. توقعاتهم افتقرت لدقة قراءة مآلات القرارات المصيرية، على الأقل لم تثبت صحتها الساعات الماضية المصحوبة بغيوم الخوف والرعب من عواقب خطأ استعجال عزل مرسي، وعدم التريث اعتمادا على وجود ظهير ديني تمثل في شيخ الأزهر وبابا الأقباط وظهير يمثل القوى السياسية الإسلامية تمثل في حزب النور والقضاء الأعلى بالإضافة إلى ممثلين لشباب تمرد. قبل خارطة الطريق التي بدأت بالعزل وتعطيل الدستور كان الشعب المصري منقسما إلى مؤيد ومعارض وعلامة ذلك الوحيدة حشود الميادين وهي ظاهرة ليست خطيرة لو استمرت أسبوعا آخر لأن شهر رمضان كان على الأبواب وهو عامل مهدئ في ظل عدم وجود خسائر كبيرة أو بقاء الأوضاع السياسية على ما هو عليه. التريث وإعطاء المزيد من الوقت للمفاوضات خصوصا بعد الخارطة التي أعلنها مرسي وقبوله بحكومة ائتلافية محايدة، كان سيسمح بتجاوز الانقسام الشعبي والوصول إلى حل يتوافق عليه الجميع، خصوصا أن البرلمان لو تم انتخابه يستطيع بشكل دستوري عزل الرئيس وإعلان انتخابات مبكرة، وذلك من شأنه إعلاء الدستور واحترامه وعدم ظهورنا أمام العالم كدولة انقلابية وهو الذي تحاول وسائل الإعلام والنخبة السياسية نفيه بمختلف الوسائل، إلا أن علوم السياسة والنظم الديمقراطية لا توفر تعريفا آخر غير "الانقلاب العسكري"لتدخل قيادة الجيش بعزل رئيس منتخب وتعطيل الدستور. خارطة المستقبل التي أتت برئيس مؤقت قسمت البلد فعليا إلى رئيسين لتزيد الانقسام انقساما أخطر، فنحن الآن أمام رئيسين.. أحدهما دستوري وقانوني هو مرسي والثاني يقولون إنه جاء بالشرعية الشعبية وهو عدلي منصور. صراع الشرعيات أخطر من انقسام الميادين ولا نعرف كيفية الخروج منه، فهو صراع يتم التعاطي معه عالميا وسيظهر أثره بعد قليل بتردد الدول والمؤسسات الاقليمية والإعلامية في التعامل مع السلطة الجديدة في ظل وصفها من حشود متظاهرة بأنها سلطة مغتصبة للحكم، وأول مثال على ذلك تعليق الاتحاد الأفريقي لأنشطة مصر حتى عودة نظامها الدستوري، وهي المرة الأولى في التاريخ التي يجري التعامل مع مصر بهذه الصورة وسبقتنا إلى ذلك مالي فقط. المستهينون بقرار الاتحاد الأفريقي لا يعلمون أن المؤسسات الدولية قد تؤسس مواقفها بناء عليه. ربما تم الاعتماد على محمد البرادعي وبعض الدبلوماسيين المتمتعين بصلات دولية في التعامل مع ردود الفعل السلبية، لكنهم لم يضعوا في حسبانهم أن غضب الشوارع المساندة لشرعية مرسي سيكون له أثر كبير في ظل النقل الإعلامي الحي لما يجري من مظاهرات. كان الظن الآخر أن التعتيم على المظاهرات الرافضة لعزل مرسي سيظهر للعالم أن هناك توافقا وسندا شعبيا ينفي تعريف ما حصل بأنه انقلاب عسكري. في زمن الإعلام المفتوح ووسائل التواصل الاجتماعي وشاشات الهواتف الذكية المتقدمة لا يستطيع طرف أن يعتم على آخر، ويمكن سماع تكسير "قلة" في قرية نائية بقنا مثلا. لا شك أن الدولة كلها والمجتمع ورموزه السياسية والدينية والثقافية ومؤسسات القوة أمام لحظة حرجة وأسئلة صعبة عن كيفية الخروج من المأزق الكبير. أكتب هذا ووكالة الأسوشيتدبرس تتحدث عن مقتل 30 قتيلا في اشتباكات بمدن مصرية عدة بينهم 12 في الإسكندرية. الساعة الآن لحظة الانتهاء من المقال الواحدة إلا عشر دقائق بتوقيت القاهرة من صباح السبت. اللهم ألطف بمصر وشعبها. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.