كان اليوم الأول من فعاليات الملتقى الإعلامي العربي المنعقد حاليا في الكويت ساخنا على غير العادة ، والعادة المقصودة هي لغة المجاملات التي تحدث في مثل هذه اللقاءات خاصة التي يحضرها شخصيات سياسية أو رسمية من أكثر من بلد عربي ، فيحدث أن يتفادى المتكلمون إحراج أهل الضيافة ، فتجد المتكلم يشرح في المشروح ، ولكن بما أن هذا اللقاء هو لقاء للإعلاميين ، وهم "فلتانين" بطبيعتهم المهنية ، كان اللقاء ساخنا خاصة في الجلسة الأولى التي جمعت بين وزير الإعلام السعودي عبد العزيز خوجة والمستشار الإعلامي لملك البحرين نبيل الحمر ووزير الخارجية المغربي الأسبق محمد بن عيسى ، الثلاثة تكلموا بحديث الذكريات الجميلة والإشادة بالتطور النوعي والكمي الكبير الذي شهده الإعلام العربي ، لكن القاعة ردت عليهم بحديث النكد والقلق والتساؤلات التي لا تنتهي ، تساؤلات القاعة انصبت في أكثر من اتجاه ، الأول هو اتهام الإعلام الرسمي بأنه كان سببا في تخلف المنظومة الإعلامية العربية ، وأن الحضور الإعلامي الكبير في العالم العربي الآن والحراك الواسع والآفاق الرحبة التي حدثت لم تحدث إلا عبر جهود الإعلام الخاص ، فإن كان من فضل في تطور الإعلام العربي فلن ينسب بالتأكيد إلى الإعلام الرسمي ، الاتهام الثاني هو "المظلومية" التاريخية التي يشعر بها الإعلامي تجاه رجل السياسة ، وكان شعارها الضمني عند المعلقين "لماذا يكرهوننا"؟! ، طبعا السياسيون حلفوا بالأيمان المغلظة أنهم لا يكرهون الإعلاميين ، وأنهم مثل السمن على العسل معهم ، وهي حقيقة بالتأكيد ولكن مع البعض منهم وليس مع الحالة الإعلامية بشكل عام ، ولا يمكن تجاهل حال القلق وسوء الظن المتبادل بين الإعلامي ورجل السياسة ، وفي تصوري أنه سوء ظن إيجابي ولصالح المواطن العادي ، وأذكر طرفة حدثني عنها قيادة أمنية كبيرة عندما كنا نؤسس حزب الإصلاح ، إذ قال لي : حتى نكون واضحين عملنا لا يعرف حسن الظن ، وإنما أساسه ومبتداه ونهايته هو سوء الظن ، وأتصور أن هذا هو المبدأ الحاكم أيضا في العلاقة بين الإعلاميين والساسة ، بعض المتحدثين طرح نماذج قناة الجزيرة والعربية والإم بي سي ، للدلالة على نجاح الإعلام الخاص أو المستقل ، إلا أن آخرين تحفظوا على النماذج ، لأنه يصعب تصور أن القنوات الثلاثة المذكورة هي مشروعات خاصة أو مستقلة ، وقد اضطر وزير الإعلام السعودي بذكاء وحنكة إلى الهروب من المفارقة في تعليقه بالقول أن هذه القنوات بالتأكيد "لها مرجعية"! ، وأقول : أن المعضلة دائما في هذه "المرجعية" ، أحد الوساوس التي طرحت في الحوار تتعلق بالمخاطر التي تنطوي على مغامرات الإعلام الخاص أو المستقل ، وهي معضلة نتعرض لها نحن أيضا في مصر بضراوة ، حيث تحول الإعلام من خدمة السلطة والسلطان إلى خدمة طموح سياسيين أو رجال أعمال أحيانا يكونون ليسوا فوق مستوى الشبهات ، وأحيانا يكون لبعضهم أجندات طائفية ، وأحيانا يكون لبعضهم علاقات بيزنس أو غيره مع قوى معادية للأمة ، وكل تلك النماذج موجودة ولا تخفى على كثيرين ، فما الحل ، هل نعود إلى الحديث عن فرض الرقابة الرسمية ، فنمنح السلطة الحبل الذي تشنق به حرية الإعلام ، أم نقبل بهذا الانفلات رغم خطورته على أمن الوطن والمجتمع وليس السلطة أو الدولة ، هذه المعادلة لم ينجح أحد في حسمها أو طرح حل معقول لها ، ولا أملك أنا نفسي رؤية أيضا للحل الناجع ، ولكني أتصور أن مفتاح هذا الأمر ينبغي أن يكون موكولا للمجتمع نفسه ، من خلال مؤسساته الأهلية والمدنية ، التي يمكنها صياغة مؤسسات رقابية ناعمة وأهلية تفضح انحرافات الإعلام الخاص وتكشف الغطاء عن انتهازية المنتهزين ، بنفس الوقت الذي تراقب فيه الإعلام الرسمي وتكشف تجاوزاته . [email protected]