حين نطالب المتظاهرين الخارجين 30/6 بعدم الشغب على الشرعية والحفاظ على السلمية.. فلعلنا أن ننظر أيضًا إلى مليونية 21/6 بميدان رابعة العدوية.. واسمحوا لي أن أقول (ومرة أخرى أؤكد: من باب الحرص على الشرعية لا الشغب عليها)، ودعونا نتحرى الإنصاف ومن باب أن نكون عُدولاً فنقول: أولاً الإيجابيات 1/ كان التنظيم مثاليًا.. وكان الحشد كبيرًا ومعتبرًا.. وكانت الرسالة مهمة لمن يهمه الأمر (وهم كُثر).. 2/ كانت الفاعلية سلمية بامتياز.. فلم يتوجه أحد إلى مقار من تعتبرهم المليونية خصومًا، فحرقت مقارهم ولم يُلق أحد بزجاجات حارقة على أي إنسان أو جماد.. 3/ أكدت المليونية على شرعية الرئيس المنتخب.. وقد لا يكون هذا الأمر جديدًا.. لكنه يبقى مهمًا. 4/ لا أجد حرجًا (في ظل هذه الظروف) أن يُعبر المؤيدون (من حيث المبدأ) عن تأييدهم بسلمية ووضوح. ثانيًا السلبيات: 1/ لم يكن من المناسب تصدير رموز بعينها لم يخل تاريخها وخطابها من عنف. 2/ حينما كنا نهتف (قديمًا): لبيك إسلام البطولة كلنا نفدي الحما.. لبيك واجعل من جماجمنا لعزك سلمًا.. كانت العيون تدمع والجلود تقشعر.. لأننا كنا نهتف بها ضد أنظمة مستبدة ظالمة فاجرة.. أو كنا نهتف بها تضامنًا مع إخوتنا في البوسنة وأفغانستان وفلسطين والعراق.. إلخ.. حين كان يأتي عدو غاصب أو مستعمر ظالم ينتهك حرمات ديار المسلمين.. لكنني لا أفهم أن يهتف بها مؤيدو نظام حاكم (وهم جزء معتبر من الشعب المصري) ضد معارضين (وهم جزء أيضًا معتبر من الشعب المصري) يدين أغلبيتهم بدين الإسلام.. فهل يُمكن أن نجعل من جماجمنا في مواجهتهم سُلمًا! 3/ حينما يقول قائل على المنصة: إنني أرى رءوسًا قد أينعت وحان قطافها.. نقول: هل يشرفنا كإسلاميين أن نتخذ مما قاله الطاغية (الحجاج بن يوسف الثقفي) نموذجًا للاقتداء؟ 4/ كنت أفهم أن حكم الإسلاميين سيُظهر من الرحمة للخصوم بأكثر مما يُظهر من القسوة فيحقق فرزًا معتبرًا وهامًا بين وطني معارض شريف.. وبين انتهازي كاره للوطن. 5/ كنت أتمنى أن يمنح الإسلاميون (جاهًا حلالاً) في (النظام الجديد) لمن كان له جاه في النظام القديم (إذا دخل في منظومة النظام الجيد).. هكذا فعلها رسول الله مع أبي سفيان (يوم الفتح). 6/ كنت أتمنى أن يمنح الإسلاميون (مالاً حلالاً بطرق حلال) لرموز النظام السابق، (إذا أرادوا الدخول في منظومة النظام الجديد) – كما فعل رسول الله مع مسلمة الفتح حين ميّزهم عن غيرهم في غنائم حنين.. لكسر عداوتهم وإشعارهم أن لهم حظًا حلالاً في النظام الجديد.. وهكذا تحول العداء إلى تأييد. 7/ كنت أتمنى من الإسلاميين ألا يملوا أبدًَا من إشراك غيرهم معهم في المرحلة الانتقالية – هكذا فعلها رسول الله، حينما أراد الانتقال من مكة (عهد الاستضعاف) إلى المدينة (بناء الدولة الجديدة)، فأشرك في يوم الهجرة على بن أبي طالب (الشاب)، وأسماء بنت أبي بكر (المرأة)، وأبو بكر (الشيخ) وعبد الله بن أريقط (الكافر)!! 8/ حافظ قطاع من الإسلاميين طويلاً في سلوكهم وأدبياتهم ومنهجهم على (الاعتدال والسلمية والوسطية)، وهم في المعارضة.. فعليهم المحافظة على ذلك وهم في الحكم.. فلا يكون الظرف السياسي والوقتي دافعًا للتغافل عن خطاب التهور والعنف. 9/ مصر دولة لها نسيج اجتماعي متنوع.. فمن أراد أن يحكمها عليه أن يؤمن بذلك فعلاً لا قولاً.. فلم يستطع الطغاة إقصاء الإسلاميين من المشهد عبر عهود طويلة من القمع والقتل والحظر والسجن والتشويه.. ومن ثم فعلى الإسلاميين (وهم لا يملكون أدوات الطغاة.. ولا أحسب أنهم يفضلونها) أن يتيقنوا أن الإقصاء مستحيل لمن لا يحبون. 10/ إن الإسلام دين رحمة وعدل وسعة أفق واستيعاب ولين وقراءة للواقع.. فإذا كان سيد الخلق يقبل حينًا بشطب صفته في معاهدة.. ويقبل في حين آخر بفعل المفضول دون الأفضل مراعاة لظروف الناس وواقعهم، فأين نحن من ذلك؟ 11/ حينما يقول بعض الإسلاميين إن القضاء والإعلام والدولة العميقة بكل مؤسساتها تقف حجر عثرة أمامهم (وقد يكون ذلك صحيحًا).. لكنه من زاوية أخرى, ومن باب الالتفات إلى الذات حين نلتفت إلى الغير.. هل بذل الإسلاميون جهدًا لطمأنة بعضهم.. لتقليل خصومهم.. لكسب ود بعضهم.. يقينًا لن يصل أحد إلى (تصفير المشاكل)، لكنه كان من الممكن أن يجعلوها في حدها الأدنى.. ولنا في التاريخ عبرة ونماذج.. ولنا في أفعال وسلوكيات (قام بها إسلاميون) أثارت قلق وتوجس وخوف الآخرين.. وختامًا: إن مسئولية النظام الحاكم لن تنقطع.. فلن يحقق الوطن أهدافه بتكريس حالة الانقسام - ومليونية ضد مليونية لن تحسم القضية، بل تزيدها تعقيدًا وعنادًا وإصرارًا واستقطابًا.. تظل مسئولية المعارضة قائمة.. وتظل مسئولية الحكم أكبر لأنه يملك سلطة وقرارات ومؤسسات وشرعية.. أرجو أن تستقبلوها بدون زعل.. إنها رؤية من زاوية أخرى.. قد يجعل الله فيها نفعًا.. وسنظل نكرر: رحم الله الفاروق حين قال (رحم الله امرأً أهدى إليّ عيوبي).