المداهنة السياسية لا يمكن أن تكون على حساب الثوابت الإسلامية، وتخطئة بعض الإعلاميين، ومتاجرة بعض السياسيين بتصريح أحد العلماء الذي قال فيه: إنه يوجد فيمن سينزل يوم 30 يونيه كفار ومنافقون، أمر لا يسع علماء الإسلام السكوت عليه أو تمريره؛ لأن ما قاله هذا العالم الجليل يتوافق مع صريح القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية. فلا يخفى على أحد أن قطاعًا عريضًا من غير المسلمين سينزلون يوم 30 يونيه بدافع طائفي، وبتحريض من رجال دينهم الذين قاموا بالتوقيع على استمارة تمرد داخل دور عبادتهم، وبتشجيع من صحف وقنوات رجال أعمالهم التي عوَّدتنا على متابعة مسيرة شبرا الحاشدة، التي تخرج رافعة صلبانها عند كل دعوة لإسقاط الرئيس المنتخب. وأقرر بوضوح لا لبس فيه أنه لا يمكن لأي سلفي أو أزهري أو مسلم لديه دراية بأوليات الإسلام ونصوصه وحقائقه أن يزعم خطأ القول بكفر غير المسلمين وضلالهم، دون أن يترتب على ذلك أي انتهاك لحرماتهم الشخصية أو انتقاص لحقوقهم الدينية والدستورية، فهذه مسلّمات واضحة في صريح القرآن الكريم وثوابت الإسلام الذي يعتنقه غالبية المصريين، وليس في وسع أي عالم من علماء الإسلام أن يستنكر هذا الكلام أو أن يطالب قائله بالتراجع عنه. والغريب أن المرتزقة من الإعلاميين والمداهنين من السياسيين يعلمون علم اليقين أن غير المسلمين في مصر يعتقدون أن المسلمين كفار وضالون، بل إنهم يعتقدون أن أبناء المذهب المخالف داخل ديانتهم كفار لا حظَّ لهم في الخلاص، ولهذا يفرقون بين الرجل وزوجته إن انتقل إلى مذهب غير مذهبهم.. ومع ذلك فنحن نرى الأشاوس من الإعلاميين والسياسيين يتبجحون فقط على علمائنا، بينما يتعاملون باحترام بالغ، بل ويفخر بعضهم بالانحناء ليطبع قبلاته على أيدي علماء غيرنا. أما عن وصف العالم الجليل لبعض من سيخرجون يوم 30 يونيه بأنهم منافقون، فهو وصف موافق لصريح القرآن الكريم الذي لا يمكن تأويله أو تحريف مدلوله. فهؤلاء الذين يتسمون بأسماء المسلمين، ثم يعلنون صراحة أن الشريعة لم تعد صالحة للتطبيق في زماننا، ويهدفون من خروجهم يوم 30 يونيه ليس لإسقاط الرئيس فقط، بل إلى تغيير الدستور الذي وافق عليه الشعب، وخصوصًا تلك المواد التي تحفظ للدولة المصرية الحد الأدنى من هويتها الإسلامية، أو التي تفرض أن تكون القوانين غير مخالفة للشريعة الإسلامية. هؤلاء قوم منافقون، ومعهم في سلك النفاق كل من يؤيدهم وقد عرف حقيقة مقصدهم.. نقولها بملء أفواهنا، ولا نخشى لومة إعلامي مرتزق، أو سياسي مداهن، أو أزهري أعماه بغضه للتيار الإسلامي عن حقائق القرآن ونصوصه الناصعة.. ومن هذه النصوص قوله تعالى في سورة النساء: "ألم تر إلى الذي يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيدًا. وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودًا. فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانًا وتوفيقًا. أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغًا. وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله". قال السيد محمد رشيد رضا، وهو من رواد الإصلاح الإسلامي في عرف العلمانيين: "والآية ناطقة بأن من صدَّ وأعرض عن حكم الله ورسوله عمدًا ولاسيما بعد دعوته إليه وتذكيره به، فإنه يكون منافقًا لا يُعتدُّ بما يزعمه من الإيمان وما يدعيه من الإسلام، وهي حجة الله البالغة على المقلدين لبعض الناس فيما استبان حكمه في الكتاب والسنة، ولاسيما إذا دُعُوا إليه وَوُعِظُوا به". وقال الأستاذ الإمام محمد عبده، وهو أحد دعاة الإصلاح الديني في عرف العلمانيين: "إن الحامل لهم على هذا الصدود هو اتباع شهواتهم، وأُلفتهم للباطل، وعدوُّ الحق يُعرض عنه إعراضًا شديدًا". ومن هنا ندعو المصريين بدعوة القرآن الكريم "فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغًا"، ندعوهم أن يحترموا كل تعبير سلمي في معارضة السلطة، وأن يتفهَّموا غضب البعض من أوجه القصور التي لا يمكن إنكارها، وأن يُعرضوا في الوقت ذاته عن دعوة المنافقين التي تهدف إلى طمس هوية مصر الإسلامية، ويكشفوا الغطاء عن سعيهم للانقلاب على الإرادة الشعبية، والتحريض على العنف، وتوفير الغطاء الإعلامي والسياسي لمن يمارسونه. قال الشيخ محمد متولي الشعراوي في تفسيره للآية السابقة: "فأعرض عنهم؛ لأننا نريد أن نُظهر منهم في كل فترة شيئاً لنُعلِّم المجتمع اليقظة إلى أن هناك أناساً مدسوسين بينهم، لذلك لا بد من الحذر".. والشيخ الشعراوي لا يمكن أن يُقال عنه: إنه سلفي أو إخواني. * وكيل كلية القرآن الكريم جامعة الأزهر