كنت وصديق لي يعمل أستاذا للتاريخ نتحدث عن أحوال البلد، وهو حديث يشغل الناس جميعا وهم يعايشون ما يحدث في الشارع المصري، وعرج بنا الحديث الى ما اطلق عليه ضباط حركة يوليو 52 العهد البائد. وأخذنا في تفسير معنى هذا الوصف الذي نعتوا به ذلك العهد. واستقر بنا الرأي على أنه العهد الذي هلك وزال او انقرض بلا رجعة، ثم ضحكنا كما لم نضحك من قبل لانه عاد بالفعل اكثر وضوحا وشراسة، وكأنه عاد ليتشفى فينا، وليشمت بما اصابنا، وليشعرنا بانه كان ارحم مما نحن فيه الآن. وفجأة استل صديقي من جيبه ورقة قائلا... هل تعلم ما هذه! انها صورة من الخطاب الذي قدمه الفريق محمد نجيب الى الملك فاروق يطالبه بالتنازل عن العرش، واخذ يقرأ علىّ الاسباب التي من أجلها طلبوا من الملك التنازل عن العرش، وهى الفوضى الشاملة التي عمت جميع المرافق نتيجة سوء التصرف والعبث بالدستور وامتهان إرادة الشعب حتى أصبح كل فرد من أفراده لا يطمئن على حياته أو ماله أو كرامته. ثم استطرد قارئا... إن سمعة مصر ساءت بين شعوب العالم، وأصبح الخونة والمرتشون يجدون الحماية والأمن والثراء الفاحش والاسراف الماجن على حساب الشعب الجائع الفقير. ثم طوى الورقة وأودعها جيبه. قلت أن عبارات هذا الخطاب هى نفس عبارات البيان الذي ألقاه أنور السادات في الاذاعة صبيحة الانقلاب العسكري. الخطاب الذي مضى على كتابته ونفاذ مفعوله قرابة ستين عاما كأنه يصف على استحياء حال البلد اليوم. فمن منا ينكر أن الفوضى شملت جميع مناحي حياتنا، ومن منا لا يقرأ أن لصوص المال العام والمرتشين أصبحوا يجدون الحماية وينعمون بالطمأنينة، ومن منا لا يشعر بامتهان ارادته في ظل الطوارئ والانتخابات تتحدد نتائجها سلفا، ويقوم الحزب الوطني بتوزيع المقاعد البرلمانية على من يشاء دون أي اعتبار لإرادة الشعب. استبدل إقطاع بإقطاع، وازداد الفقراء كما ونوعا بعدما استأثرت حفنة شيطانية بثروات البلد ظاهرها وباطنها. الوجوه هي هي لم تتغير على مدى عقود عدة، لقد سئمناها ولم نعد نطيق رؤيتها أو سماع صوتها، أكراشهم تخصصت في هضم الخبائث. لم يعد في البلد حياء ولا شهامة، كل يفعل ما يحلو له، لا توقير لكبير ولا رحمة بصغير. البرلمان لا يمثل نوابه الشعب، اتحادات طلابية لا تمثل جموع الطلاب، اتحادات عمالية لا تمثل جموع العمال، أندية هيئات التدريس بالجامعات لا تمثل الهيئة التدريسية، أحزاب متصدعة تنتظر الصدقة والاحسان. لقد استفحل الفقر والجهل والمرض. فجاءة قطع صديقي الكلام قائلا... الحديث في هذا الامر لن ينتهي. ثم ضحك وختم الكلام بعبارة ليته لم يتنازل. * * * *على الهامش: غاب العلم في يوم الاحتفال بعيده