لم يخطئ وزير الثقافة الدكتور علاء عبد العزيز حينما اعتبر معارضيه من الفنانين والصحفيين الذين قاموا بتنظيم وقفة ضده أمام نقابة الصحفيين، بأنهم لم يشاركوا فى الثورة، وكانوا ينزلون للميدان من أجل التقاط الصور التذكارية فقط، وهو يتأكد من ذلك تمامًا، وذكر أنه فى يوم 28 يناير كانوا بعيدين عن الميدان أيضًا، وكذلك فى موقعة الجمل لم يكونوا داخل الميدان، ومنهم سيد حجاب هذا الذى تربى فى حضن النظام القمعى العسكرى الذى حكم مصر ستة عقود وتلون مع الأنظمة من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، ما دام يصب فى مصلحته، فهو الذى كان يدافع عن مبارك وزوجته إلى يوم رحيله، وفجأة تلون كغيره من الوجوه التى تعلقت بالبيادة العسكرية وتلونت مع كل العصور من أحفاد "محفوظ عجب"، وسوف تصدم عزيزى القارئ حينما تعرف أن صاحب كلمات الأوبريت الفضيحة "اخترناه" الذى نافق فيه الرئيس المخلوع سنة 1999، تمهيداً لانتخابه فترة رئاسية رابعة، واشترك مع رفيق دربه عمار الشريعى الذى تخصص فى "مدح النسر المصرى شق السما (مبارك)"، يلحن كلمات الأبنودى، وعبدالسلام أمين، وسيد حجاب، وهو الذى لحن كلمات الأوبريت سالف الذكر. وفى تاريخ أدبنا العربى على مر العصور كنا نقرأ مدح الشعراء للخلفاء والسلاطين والأمراء والحكام والقضاة والعلماء، كنا نستمتع بلغتهم الراقية التى كانت بمثابة شاهد لغوى يحتج به عند القاعدة النحوية، كانت كلماتهم وصورهم وأشعارهم الرائعة الخالدة تغفر لنفاقهم، رأينا المتنبى يمدح الحكام وهو فى أوج العزة والكرامة والأنفة، كان يتحدث عن نفسه وعبقريته أكثر من حديثه عن ممدوحيه، أما عندما استمعت لمعلقة سيد حجاب فى مدح العزيز مبارك، رأيتها كيف وصلت لمستوى رديء من النفاق وتزوير الأحداث ووقائع التاريخ، فقد وصلت إلى مرحلة متقدمة من الدعارة الفكرية، فهل اختار الشعب مبارك؟ هل رأينا فى عصر مبارك خروج الشعب عن بكرة أبيه، بمن فيهم العجائز والمقعدين الذى كانوا يُحملون يدلون بأصواتهم فى انتخابات نزيهة؟ والمرة الوحيدة التى فعلها الفرعون نتيجة لضغوط خارجية سنة 2005، فتم شحن المواطنين فى حافلات أعضاء الحزب الوطنى المنحل، ولقد رأيت بنفسى رجال أعمال مبارك فى الغردقة يجبرون المواطنين بالتصويت للفرعون، وكنت مناصراً للمرشح أيمن نور أنا وبضعة أفراد معى فى الحافلة، فتم منع الحافلة بالكامل من التصويت وأسرها مدير العمل فى نفسه، فتم فصلى بعد بضعة أسابيع من هذه الواقعة، وقلت إلى الله المشتكى.. ولما اختار الشعب رئيسه بفارق ضئيل بينه وبين منافسه فى انتخابات نزيهة شهد بها القاصى والدانى، وقف هؤلاء يتهمون الشعب بالجهل والتخلف لانتخابه الإسلاميين، وأنه يسهل شراءه بالزيت والسكر، وهم الذين باركوا الانتخابات المزورة التى كانت تشرف عليها الأجهزة القمعية، مثل أمن الدولة، وكان كتاب مبارك ومثقفوه الذين وضعهم فاروق حسنى فى حظيرة، يطلون علينا فى وسائل الإعلام يختلقون وقائع وتاريخ لمبارك ونظامه، ومازالوا يفعلون إلى ما قبل ثورة يناير2011، ففى يوم 30/9/2010، ذهب أحد عشر من كبار الأدباء وهم: فوزى فهمي، وصلاح عيسى، ويوسف القعيد، ومحمد سلماوي، وعائشة أبو النور، والسيد ياسين، وخيرى شلبي، وسامية الساعاتي، وأحمد عبدالمعطى حجازي، وجابر عصفور، ذهبوا يباركون خطوات الرئيس مبارك ويشهدون بعبقريته، وكتب الغيطانى الذى وصف نظام الرئيس مرسى بالغزو العثمانى، كتب فى يوميات الأخبار، فى الشهر التالى لإجراء مبارك جراحة فى ألمانيا لاستئصال الحوصلة المرارية (مارس 2010)، تحت عنوان (قائد القوات) مشيدًا بالسيرة المباركية، منذ أصغى إلى اسم اللواء طيار محمد حسنى مبارك بعد عام 1967، وعرف أن من صفاته "الإرادة الحديدية، الجلد، سعة الأفق، الذكاء، والسمعة الطيبة والعلاقات الحسنة مع الآخرين". ثم قال "حدثني" زكريا عزمى رئيس ديوان رئيس الجمهورية، أنه يعرض على الرئيس صحفًا تتعرض عناوينها "لشخص الرئيس وسياساته فى سابقة تعد الأولى فى الحياة السياسية المصرية منذ تأسيس الدولة الحديثة زمن محمد على باشا، يقول الدكتور زكريا عزمى إنه لم يكن يبدى غضبًا، بل كان يبدى قدراً كبيراً من التسامح والصبر معلقًا إنها الديمقراطية"، وفى السطور الأخيرة من يومياته الطويلة قال الغيطاني: "لقد جنبت خصاله القيادية مصر الكثير من المخاطر فى ظروف عالمية ومحلية مضطربة، ورغم كل المصاعب أشعر أن قلب مصر يتجدد، يموج بالحركة ويضخ الأمل، وعندما رأيت الصور الخاصة باستئناف الرئيس لنشاطه شرعت فى تدوين هذه الشهادة التى تخص أبعادًا عامة وخاصة تتصل بالرئيس وملامحه الإنسانية، وسعة صدره، وأيضًا ما أكنه تجاهه من امتنان ومودة". ("الأخبار" 28-4-2010)، وقد تحول الغيطانى بعد ذلك، فلعن نظام مبارك بعد رحيله حينما قال بعد عام فى ندوة مساء الخميس السابع من إبريل 2011: "إن نظام مبارك أسوأ نظام مر على مصر، حتى من الاحتلال الأجنبي، فالنظام السابق جرف البلاد، ونهبها بكل طاقته، حتى إن المساحات المخصصة لهموم المصريين فى خطابات مبارك تقلصت. حتى اختفت تمامًا وحل محلها سخرية واحتقار وتجاهل". وكتب خيرى شلبى تحت عنوان (مصر فى بعث جديد) أنهم كانوا "مجموعة من الأصدقاء فى ضيافة أخيهم الأكبر. هذا الشعور أخذ يتأكد ويتعمق من لحظة إلى لحظة، فى ظنى هذه الأريحية التى أغدقها علينا الرئيس بكرم لم أشهد له من قبل نظيرًا، لدرجة أن الجلسة استمرت أربع ساعات لم نشعر بمرورها على الإطلاق. أول شعور مبهج تناقلته نظراتنا كان مبعثه الاطمئنان على صحة الرئيس. كانت الشائعات قاتلها الله قد ألقت فى روعنا أن الرئيس فى وعكة صحية. إن أكبر وأهم محصول خرجنا به من لقاء الرئيس هو الرئيس نفسه. لقد خيل إلىّ شخصيًا أنه كان على سفر ثم عاد إلينا قويًا فتيًا ليقود أحلام مصر وطموحاتها فى بعث جديد". وعبر أحمد عبدالمعطى حجازى الذى يتربص بالنظام اليوم، عن سعادته "حين وجدت الرئيس فى كامل لياقته، موفور الصحة، حاضر البديهة، متوقد الذاكرة. أسعدنى كذلك أن أرى الرئيس متفقًا معنا فى إلى حد كبير حول المبادئ الفكرية والأخلاقية التى يجب أن يكون عليها وجودنا كشعب". (الأهرام 2-10-2010). عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.