كتبت هذه السطور بعد مضى خمسة أيام على إغلاق معبر رفح المتنفس الوحيد لأهالى قطاع غزة، وهو المعبر الوحيد الذى يربطهم بالعالم الخارجي، وفى ظل غياب إشارات على انتهاء الأزمة قريباً قد يتواصل إغلاق المعبر أياماً أخرى، مما يعنى تفاقم الأوضاع الإنسانية فى القطاع وإعاقة سفر المرضى وأصحاب الاحتياجات الضرورية.. إغلاق المعبر جاء فى أعقاب جريمة اختطاف الجنود المصريين فى سيناء، وهى جريمة ذات صلة بالأوضاع الداخلية فى مصر والتوتر بين أهالى سيناء والحكومة المصرية، ولا توجد أى علاقة من قريب أو بعيد لغزة بهذه الجريمة.. يستسهل الإعلام المصرى تحميل حركة حماس وقطاع غزة مسئولية كل مصيبة تقع فى مصر، ويتورط فى تصديق هذه التلفيقات الكاذبة، حتى ذوى النوايا الطيبة الذين يقولون ربما تأتى عناصر من غزة عبر الأنفاق لتدريب عناصر فى سيناء وإمدادهم بالسلاح، مع أن سيناء هى التى تمد غزة بالسلاح وليس العكس، لأن غزة محاصرة من كافة الجهات، وتواصلها الوحيد بالعالم هو عبر سيناء، ثم إن سيناء بحكم ترامى أطرافها وطبيعتها الجبلية وغياب مظاهر العمران فيها، وسهولة اختراقها من المخابرات الإسرائيلية كونها ملاصقةً للحدود مع إسرائيل تنشط فيها الكثير من عصابات المخدرات وتجارة الأعضاء وقطاع الطرق والجماعات المتطرفة، فإن سلمنا بهذا المنطق، فإن غزة هى التى بحاجة إلى حماية نفسها من الانفلات الأمنى فى سيناء وليس العكس.. المهم أن معبر رفح أغلق دون أى سبب منطقي، وظل هذا الإغلاق متواصلاً حتى بعد بث شريط فيديو أثبت بشكل يقينى أن خاطفى الجنود هم من بدو سيناء، وهى حقيقة كانت مؤكدةً حتى قبل هذا الفيديو.. لا يمكن الفصل بين الإغلاق غير المبرر لمعبر رفح وبين حالة التحريض الممنهج فى الإعلام المصرى ضد غزة، فهذا التحريض المكثف هو الذى يخلق أجواءً مهيأةً لحصار غزة. فى قطاع غزة تشعر حركة حماس بالحرج، فهى لا تستطيع أن تعلى صوتها بمطالبة مصر بفتح معبر رفح فى ظل كون الرئيس الحالى إخوانيًا، فلا بد من الترفق معه فى لغة الخطاب، والبحث عن أعذار له، ومراعاة تعقيد الأوضاع الداخلية حتى يستطيع تجاوزها ويتمكن من إنجاح مشروعه الإسلامى الذى هو مشروع حركة حماس، ولو أن ذات الإغلاق حدث فى زمن مبارك لما تأخرت حماس عن الضغط الإعلامى لإجبار الحكومة المصرية على فتحه، لكنها اليوم تجد نفسها مكبلةً لا تملك القدرة على الحركة والمناورة.. إن من مفارقات القدر أن تدفع حماس ثمن حكم الإخوان فى مصر، وهى أول من احتفل بفوزهم وأطلق الآلاف من أهالى غزة الأعيرة النارية فى الهواء ابتهاجاً بفوز مرسي.. أليس مؤلماً أن يتسلل الندم والإحباط إلى نفوس الغزيين على اليوم الذى احتفلوا فيه بفوز مرسي؟!! لا ننفى صعوبة أوضاع الرئيس مرسي، ولا نريد أن نشق عليه، لكن هذه الأزمة تنبهنا إلى إشكالية خطيرة يقع فيها الإسلاميون عموماً، وهى الخلط بين العلاقات الإخوانية وبين متطلبات العمل السياسى أو بين فكر الجماعة وقيادة المجتمع.. مصر ليست "إخواناً"، بل هى كيان سياسى، أياً كان رئيسها تخضع قراراتها لحسابات سياسية محضة، فهى لا تبالى إن اقتضت حساباتها السياسية أن تنحاز إلى فلسطين أو إلى إسرائيل، وهى لن تلتفت إلينا، إلا إذا شكلنا حالةً سياسيةً وإعلاميةً تجبرها على ذلك، فحسابات الساسة لا تسمح لهم بالتفكير فى مشاعر الأخوة والرحمة والشفقة.. حتى بمنطق الأخوة، فإن أفضل عون نقدمه لإخواننا فى مصر على أنفسهم وعلى أعدائهم، هو أن نعمل سياسياً وإعلامياً للضغط باتجاه إنهاء المهزلة التى ستسيء إليهم قبل أن تسيء إلى أى فريق آخر وستذكرهم بالعار فى التاريخ.. إن تشكيل حالة إعلامية وسياسية ضاغطة هو وحده الضامن لتحقيق أهدافنا.. دعونا من فكر الاجتماعات السرية والغرف المغلقة، فهذا يصلح فى تعامل تنظيم مع تنظيم، وليس حكومةً مسئولةً من شعبها مع حكومة أخرى.. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.